قالت له: "سأنقش لك بالحناء على يدك اليمنى كي تبقى ولا تمحى لأمد طويل"، قال لها "هذه يدي ملكاً لك"، نقشت بالحروف المحنية "أحبك وهذا حرفي بقرب قلبك الصادق"، قال: "سأبقى وفياً للأبد".
علي عليان حجازي ( 25 عاماً)
قبل أن يستشهد صباح اليوم السبت، نظر إلى يده اليمنى وابتسم لما رأته عيناه،
وبيده تلك حاول أن يطلق الصاروخ نحو تجمعات الاحتلال القريبة من القطاع، فباغته صاروخ اسرائيلي "أرض- أرض"
فتته إلى أشلاء، وبقي نقش الحناء على يده المقطعة إرباً، كما صمد حرف اسم خطيبته "صابرين" إلى جانب قلبه الممزق.
قبل أربعة أيام قالت له أمه "أم عصام حجازي": "يا بني هلا استرحت اشعر في قلبي غصة وانا في دوامة من الحيرة عليك ففرحك بعد ايام والمهنئون في بيتك"
فكان رده: "يا أمي توكلي على الله وادعي لي بالسلامة واليسر وكوني على ثقة بأن الله بجانبنا".
بعد ان غادر الخطيب علي منزل خطيبته في ساعة متأخرة من مساء الليلة الماضية الجمعة
لم يقل لها انه في مهمة "جهادية"، عاد لمنزله الكائن في أبراج الندى شمال قطاع غزة وارتدى بزته العسكرية
وغادر، ثم عاد وبعد أدائه صلاة الفجر غادر ولم يعد وكان خبر استشهاده بانتظار والدته التي انتظرته لتزفه الى زوجة المستقبل بعد غد الاثنين.
قالت لـ "معا": "لم ينس أحداً من الدعوة لفرحه، كان أمس في خان يونس لدعوة عماته" وعلى كرت الفرح كتب:
عذرا فلسطين ويا قدس اعذرينا... ما تزوجنا الا تطبيقا لسنة نبينا
عسى ان يكون من نسلنا... رجالا يملأون الارض عدلا ودينا
ليرفعوا راية الحق عاليا... وليكونوا شوكة في حلق اعادينا
فألف مبروك احبائي هما... اليوم خير عروسين خلقا ودينا
ولم ينس الشهيد علي ابن كتائب شهداء الاقصى- مجموعات الشهيد ايمن جودة أن يدعو اصدقاءه من كافة فصائل المقاومة الفلسطينية،
فكتب في بعض كروت الفرح التي سيدعو لها "فتح عذراً فلسطين ويا فتح اعذرينا"،
وقال لأمه: "وحماس حبايبنا ما بدنا نزعلهم"، فكتب على كروت اخرى: "فلسطين عذرا ويا قدس اعذرينا".
أما خطيبته صابرين حسونة ذات الثمانية عشر ربيعاً فقد اختطف "الصاروخ" الاسرائيلي عريسها قبل يوم من زفافهما،
قالت : كان موعدنا ساعة استشهاده في التاسعة من صباح اليوم ليأخذني الى عشّنا الجديد وأطوي جهازي وملابسي
ولكنه خالف الموعد وذهب للقاء ربه".
وتتابع: "في الليلة الماضية نقشت على يده بالحناء ولم أصدق أنه سيغادرني بهذه السرعة"
مضيفة: "أعرف انه احد عناصر المقاومة ولكنني لم اتوقع استشهاده قبل زواجنا توقعت انه سيغادر بعد أعوام من زواجنا
ولكنه كان عجولاً للقاء الله، واحب الزواج من الحور العين فهنيئا له الشهادة"، وذهبت في بكاء ضجّت له النساء المعزيات والمهنئات في آن واحد.
عمته أم إياد القادمة من خان يونس قالت بغير تصديق: "يا الهي لقد دعاني لفرحه واليوم جئت لأودعه شهيداً!".
على باب ابراج الندى حيث غادرت الأم الشقة طلباً لوداع ابنها الشهيد المكفن برداء الموت، وجدتُ محمد ابن الجيران
الطفل الصغير وقد وقف الى الباب بالقرب من شقة علي المعدة للفرح، وعندما شاهد شقيقه العائد من المدرسة باغته قائلاً: "علي مات"،
لم يصدق شقيقه الذي قال له: "اقسم بالله؟": قال "والله مات.. استشهد بقصف اسرائيلي صباح اليوم"، هرع شقيقه باكياً الى داخل البيت طلباً لمن يؤكد له الخبر.
والدته التي بدت متماسكة باكية في ذات الوقت قالت: "أنا أولادي جميعا فداء للقدس وفلسطين فإنهم يعرفون حقاً أن
فلسطين أغلى من الزوجة والولد والمال والروح
ولذلك أنا أهبهم لفلسطين وللمقاومة ولن يهزنا القصف ولا الموت ولا الشهداء ولا الحصار فنحن شعب نموت لنحيا".
ورغم انها كانت ستجلل فراش نومه بغطاء زهري بهيج صباح اليوم، إلا انها بدت صابرة وهي تودعه مكفناً بعلم فلسطين
يحمل على الأكتاف رغم انه لم تر وجهه المفتت والمغطى بالدماء.