مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرفنا بالإسلام وهدانا للإيمان وأكرمنا بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، الذي بعثه رحمة للعالمين ونعمة للمؤمنين، وحجة على الناس أجمعين، (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فعلّم الناس من جهالة وهداهم من ضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، فتح الله برسالته أعيناً عمياً وآذانا صما وقلوباً غلفا وكان كما قال الله عز وجل مخاطباً له (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه "إنما أنا رحمة مهداة"، اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد،،،،
الذنوب من خصائص الإنسان، لابد للإنسان أن يذنب ويتوب الله عليه
فيا أيها الأخوة المسلمون...
التوبة أيها الأخوة فريضة وفريضة فورية وهي واجبة على الناس كل الناس على المؤمنين كل المؤمنين وصدق الله العظيم إذ يقول (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
الذنوب من خصائص الإنسان، لابد للإنسان أن يذنب فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان ملكاً مطهراً وإنما خلقه بشراً والبشر جزء من خلقه من طين وجزء من نفخة الروح كما ذكر الله لنا في خلق آدم (إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي)، فالإنسان تجتمع فيه هاتان الصفتان أو هذان العنصران، العنصر الأرضي الطيني والعنصر الرباني الروحي، فكثيراً ما يغلب أحد العنصرين على الآخر ولكن لابد لكل عنصر منهما أن يكون له أثره في سلوك الإنسان، هذا أمر لابد منه ولا عجب أن يذنب أبو البشر (وعصى آدم ربه فغوى) وإذا كان أبو البشر قد أذنب فلا عجب أن يذنب أبناؤه فالولد على سنة أبيه ومن يشابه أباه فما ظلم (ذرية بعضها من بعض)، الإنسان بطبيعته لابد أن يقع في الذنوب والمعاصي.
وهناك أمر آخر، من شأن أسماء الله الحسنى أن يعصي الناس ويذنبوا فإن من أسماء الله تعالى: الغفار والعفو والتواب، فإذا كان الإنسان متطهراً لا يذنب فعمن يعفو الله وعلى من يتوب الله ولمن يغفر الله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" لابد لهذه الأسماء أن تعمل عملها ولا تكون عاطلة، أن يغفر الغفار ويعفو العفو ويتوب التواب، ولهذا كانت الذنوب طبيعية من الإنسان، غير الطبيعي أن يستمرئ الإنسان المعاصي وأن يفجر في غلوائه وأن يستمر في طريق الذنوب ولا يرجع إلى الله، هذا هو الخطر، الخطر الاستمرار في الخروج عن الله، الخطر في عدم اليقظة التي ترد الإنسان إلى الله بعد شروده، ولهذا كان هناك أشياء جعلها الله مطهرات، ومكفرات للذنوب التي تقع من الإنسان، أول هذه المطهرات هو التوبة التي تحدثنا عنها في الجمع الماضية، والتوبة تغسل الإنسان من الذنب كما يغسل الماء الجسم من الوسخ، إذا صحت بأركانها وشروطها فمن تاب تاب الله عليه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد ذكر الله تعالى عن المشركين والزناة والقتلة بأن من تاب منهم وآمن وعمل عملاً صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما، (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، التوبة لابد أن يكون لها أثرها حسب سنن الله وحسب أحكام الله، ولذلك سئلت المرأة الصالحة رابعة العدوية سألها سائل: هل إذا تبت تاب الله عليّ؟ قالت: بل يا جاهل إذا تاب الله عليك تبت، أي أن توبة الله عليك أسبق من توبتك إليه، معنى توبة الله عليك أن يوفقك إلى التوبة، أن يحركك إلى التوبة، ما دام قد حركك لتتوب وتندم وترجع إليه فهذا دليل على أنه قد تاب عليك، قالت له: أما قرأت قول الله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)، تاب عليهم ليتوبوا، توبته عليهم أسبق، فأول المكفرات هي التوبة.
من أنواع مكفرات الذنوب .
الاستغفار وهو ثاني المكفرات، كثيراً ما يجمع القرآن بين الاستغفار والتوبة (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه)
ولماذا لا يطلب الإنسان المغفرة من الله وهو الغفار الرحيم العفو التواب وقد قال لعباده في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم" وقال (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما)، وجاء في أوصاف المتقين (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)، هذا في أوصاف المتقين، المتقون ليسوا أنبياء معصومين ولا ملائكة مطهرين، يمكن أن يسقطوا في المعصية، ولكن مزيتهم على غيرهم أنهم سرعان ما يقفون على باب الله ويقرعون هذا الباب مستغفرين، ذكروا الله، ذكروا عظمة الله وجلال الله فرجعوا إلى أنفسهم، ذكروا مغفرة الله ورحمته الذي قال (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
أيها الأخوة، اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، ثم هناك شيء آخر، الحسنات، من حمامات الذنوب ومطهراتها: الحسنات، فعل الحسنات والطاعات، كل حسنة تعملها تذهب سيئة كما قال الله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات
وفي الختام
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع كلمة هذه الأمة على الهدى وقلوبها على التقى ونفوسها على المحبة ونياتها على عمل الخير وخير العمل، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم انصر أخوتنا في فلسطين وانصر أخوتنا في العراق وانصر أخوتنا في كشمير وانصر أخوتنا المضطهدين والمجاهدين في كل مكان، اللهم افكك بقوتك أسرهم واجبر برحمتك كسرهم وتول بعنايتك أمرهم .
عباد الله، يقول الله تبارك تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
اللهم آمين