مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العَدْم ؟
:: شهيد الأدب ::
--------------------------------------------------------------------------------
ومن هو إلا إلاهُ غسان الكنفاني . لابد قبل أن اضع بعض مقطتفات من أفكاره وكتاباته , ووصفه لمرضه الملازم أن أمر على وهجٍ من حياته .
,’,
خُلقَ الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين , عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً ، دخل
السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة نشأته وحياته والده: خرج أبوه من أسرة عادية من
أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء ، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه
أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق
بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية.صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل
علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له
والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام . وعاد إلي عكا
ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك .
فخاضَ تجربة الحياة هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه فى السراء والضراء ونجح وكان يترافع فى قضايا
معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية . وكان من عادة
هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو
ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين
أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي .
,’,
,’,
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر
به . "عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا ؛ وقد وعي ذلك ، وهو ما يزال طفلاً
يجلس ويراقب ويستمع . ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية . "أرض البرتقال الحزين"،
تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية . "موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي
بسبب المرض . "رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة
عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع
الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق. فى قصته "ما تبقي
لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً
بالعمل الفدائي. قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان
يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة،
والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم
يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق". كانت لغسان عين
الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من
مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".
,’,
,’,
بعض المواقف في حياته : كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا
وذلك في قصته "موت سرير رقم 12"، ولا أستطيع أن أؤكد إذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده. فى أوائل ثورة
الـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد وكتب عن
ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا
فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك. بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر"
اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكانت على ما أذكر الصفحة الخامسة وكان يحررها هو
وآخرون.ومنذ سنة تقريبا استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية فى بيروت صفحة مماثلة وكتب من كتب وأحدهم
أستاذ صحافة فى الجامعة الأميركية كتبوا في تقريظ هذه الصفحة وساءني أن يجهل حتى المختصون بالصحافة أن
غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات. لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم
وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، لم تخل
مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضرته عنهم ومن ثم كتابه عن "شعراء الأرض المحتلة"
مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين. الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان
ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللا سلم
واللا حرب ولو عدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية فى تلك الفترة
لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب أى قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية
والأجنبية. إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل
نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصي ولا في أى وقت وأي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد
الذى لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذى عرضت عليه الألوف
والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه.ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة
إليه، إلى إيمانه وإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا
وقصر نفس. كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن. عمل فى
الصحف والمجلات العربية التالية: عضو في أسرة تحرير مجلة "الرأى" في دمشق. عضو في أسرة تحرير مجلة
"الحرية" فى بيروت رئيس تحرير جريدة "المحرر" في بيروت. رئيس تحرير "فلسطين" في جريدة المحرر.
رئيس تحرير ملحق "الأنوار" في بيروت. صاحب ورئيس تحرير "الهدف" في بيروت. كما كان غسان كنفاني
فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات .
,’,
,’,
بعض مؤلفات غسان الكنفاني :
* قصص ومسرحيات:
موت سرير رقم 12.
أرض البرتقال الحزين.
رجال في الشمس - قصة فيلم "المخدوعون" .
الباب (مسرحية). عالم ليس لنا.
ما تبقى لكم (قصة فيلم السكين).
عن الرجال والبنادق.
أم سعد.
عائد إلي حيفا
*بحوث أدبية:
أدب المقامة في فلسطين المحتلة.
الأدب العربي المقاوم في ظل الاحتلال.
في الأدب الصهيوني
*مؤلفات سياسية:
المقاومة الفلسطينية ومعضلاتها.
مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تعالج جوانب معينة من تاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربية (سياسياً وفكرياً وتنظيميا).
,’,
,’,
إستشهاد الكنفاني
استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدى إلى استشهاده مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة) .
,’,
,’,
مقطتفات لغسان الكنفاني , إستعرتها من [ رسائل غسان الكنفاني لغاده السمان ] , قصة [ الشيئ الأخير ] .
لقد حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل ، ثم بالعائلة ، ثم بالكلمة ، ثم بالعنف ، ثم بالمرأة ، وكان دائما يعوزني الانتساب الحقيقي . ذلك أن الانتساب الذي يهتف بنا حين نصحو في الصباح : لك شيء في هذا العالم فقم . أعرفته؟ وكان الاحتيال يتهاوى ، فقد كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا ، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء .
*
معذبا وبعيدا عن جواده وقلعته ، يقاتل بكل دمائه النبيلة ، ناجحا في أن يتجنب التلطيخ بوحل الميدان الشاسع . كان يعرف أن التراجع موت ، وأن الفرار قدر الكاذبين، إنه فارس اسبارطي حياته ملتصقة على ذؤابة رمحه، يعتقد أن الحياة أكبر من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يريد أن يعطي بشرف مقاتل الصف الأول. ليس لديه ما يفقده ورغم ذلك فهو يعرف أنه إذا فقد هذا الشيء الوحيد الذي يعتز به فإنه سيفقد نفسه .
*
أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبات عينيّ ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد .
*
يشفقون علي أمامي ويسخرون مني ورائي .
*
النافذة الصغيرة العالية جعلتني افقد الاحساس بالزمن ، و ليس صحيحا ان الساعة في معصمي تستطيع تمويني بتقدير سليم للوقت . ان قليلا من الذين لم يسجنوا ، لسبب او لاخر ، يعرفون ان تقدير الانسان للوقت و احساسه بالزمن لا يتوقفان على الساعة و لكن على الضوء ايضا ،و على الحركة ، و على المواعيد ، و على نظامه الخاص في تناول وقعاته و الذهاب الى سريره ، و حين بنفرد بالساعة فقط يشعر انه بشكل ما مخدوع .
*
أستطيع أن أكتشف ذلك كله كما يستطيع الجريح في الميدان المتروك أن ينقب في جروحه عن حطام الرصاص ، ومع ذلك فهو يخاف أن ينتزع الشظايا كي لا ينبثق النزيف. إنه يعرف أن الشظية تستطيع أن تكون في فوهة العرق المقطوع مثلما تكون سدادة الزجاجة ويعرف أن تركها هناك ، وحيدا في الميدان ، يوازي انتزاعها. فالنهاية قادمة ، لا محالة . ولو كان شاعرا فارسا يمتطي صهوة الصحراء الجاهلية لاختار أن يموت رويدا رويدا : يده على كأسه الأخيرة ، وعينيه على النزيف الشريف .
*
سأظل أناضل لاسترجاعه لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد..لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب... وجذور تستعصي على القلع)
( لقد حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل ، ثم بالعائلة ، ثم بالكلمة، ثم بالعنف، ثم بالمرأة ، وكان دائما يعوزني الانتساب الحقيقي. ذلك أن الانتساب الذي يهتف بنا حين نصحو في الصباح: لك شيء في هذا العالم فقم.أعرفته؟ وكان الاحتيال يتهاوى ، فقد كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا ، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء .
*
أحس كم كان فقدانه هولاً تساوت فيه إرادة العيش بشفرة المشرط. إنني لا أنسى حدقتيّ الدكتور ولسون حين كانت تسبح فيهما تلك الكرتان الزرقاوان ، كان رجلا قادرا على الفهم من فرط ما شاهد الناس يموتون ببساطة ، ويتركون العالم بملاجئ أقل .
*
ماذا أقول لك ؟ إنني أنضح مرارة...يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون البرتقال على الروشة ، أنا لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم .
*
هل تفهمين؟ إنني رجل مأساتي هي في ذلك التوافق غير البشري بين جسدي وعقلي .
*
حياتي جميعها كانت سلسلة من الرفض ولذلك استطعت أن أعيش. لقد رفضت المدرسة ورفضت الثروة ورفضت الخضوع ورفضت القبول بالأشياء .
*
إنني أتحدث عن وجود أكثر تعقيدا من ذلك وأكثر عمقا. ماذا أقول لك وكيف أشرح لك الأمور ؟ دعيني أقول لك كيف : أمس كنت أذوِّب شمعة فوق زجاجة ، أتلهى بهذه اللعبة التي يكون فيها الإنسان شيئا فوضويا وغامضا من زجاجة وقضيب شمع، وكان ذوب الشمع قد كسى جسد الزجاجة بأكمله تقريبا ، وفجأة ، سقطت نقطة من الشمع الذائب دون إرادة مني، وتدحرجت بجنون فوق تلال الشمع المتجمد على سطح الزجاجة ، واستقرت في ثغرة لم أكن قد لاحظتها من قبل ، وتجمدت هناك فجعلت ثوب الشمع بأكمله يتماسك من تلقائه .
*
تسألين عن روايتي ؟ لم أكتب شيئا. أعمل في الصحافة كما كان يعمل العبيد العرايا في التجديف .
*
معذبا وبعيدا عن جواده وقلعته ، يقاتل بكل دمائه النبيلة ، ناجحا في أن يتجنب التلطيخ بوحل الميدان الشاسع . كان يعرف أن التراجع موت ، وأن الفرار قدر الكاذبين، إنه فارس اسبارطي حياته ملتصقة على ذؤابة رمحه، يعتقد أن الحياة أكبر من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يريد أن يعطي بشرف مقاتل الصف الأول. ليس لديه ما يفقده ورغم ذلك فهو يعرف أنه إذا فقد هذا الشيء الوحيد الذي يعتز به فإنه سيفقد نفسه .
من مقولاته الشهيره ...
... _ ... لا تمت قبل ان تكون ندا .
... _ ... ما اجمل ان يموت الالاف لكي يعيش الملايين .
... _ ... إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين
.... _ ... إن الإنسان هو في نهاية الأمر قضية
.... _ ... إن حياتي و موتك يلتحمان بصورة لا تستطيع أنت و لا أستطيع أنا فكهما.. ورغم ذلك فلا يعرف أحد كيف يجري الحساب ها هنا .
... _ ... إن الانتصار هو أن تتوقع كل شيء..و ألا تجعل عدوك يتوقع
... _ ... خلقت اكتاف الرجال لتعلق عليها البنادق .
المجد للشهيد الاديب غسان كنفاني ..
فؤاد ايها الرفيق الوفي ... ليس عندي كثيرا لاشكرك ..
فقط دمت مثقفا بثقافتتنا الثوريه . . .
ابو وسام