مَا هَو الْإِنْسَان ؟ ومَاذا تَرَى نَفْسَك ؟
مَنذ بِدَايَة تاريخ الوجود الْإِنْسَاني صَاحِبَه أعقد مشكُلة فلسفِية وَذَلك لبساطتها وتعقدها فِي الْوَقْت ذَاته ، فكمَا يَحْكِي لَنا الْقُرْآن الْكَرِيم فِي الْآيَات ( 30 – 38 ) مَن سَوْرَة الْبَقَرَة عَن بُدّايات الوجود الْإِنْسَاني وتساؤلَات الْمَلَائِكَة البريئة عَن الْأَغْرَاض والَمصالح الشخصية والأَوهام الفكرية عَن سَبَب جَعَل هَذَا الكائن - الَّذِي يَظْهَر أَنَّه سَيَكُون مفسداً وسافكاً للدمَاء - خليفةً عَلَى الْأَرَض ؛ وَرَد اللّه تَبَارَك وَتَعَالَى عَلَيْهِم بإنه يُعَلَّم مَالَا يُعَلَّمون ، وتعليمه الأسمَاء كُلَّهَا ، واختبار الْمَلَائِكَة فِيها ، وَقَصَت الصراع بَيْن آدَم عَلَيْه السَّلَام – أَبو الْإِنْسَانية - وبَيْن الشَّيْطَان الرَّجِيم حَتَّى خَرَج مَن الْجَنَّة .
ومَن وَقْتَهَا بَدَأْت رَحَلْت طَوِيلَة مَن الْإِنْسَانية تَمَثَّلَت فِي فلَاسفتها ومفكريها الَّذِين حاولوا أَن يضيعوا تعريفاً جامعاً مَانعاً لِلْإِنْسَان – كمَا يَقول الَمَناطقة – وَقَد أدلى كُل مَنهم بوجهة نَظَرَه بِنَاء عَلَى الَمكونات الثفافِية والفلسفِية الَمؤثرة فِيه وفِي عَصْرِه .
وأَول تعريف لِلْإِنْسَان وَضَعَه أرسطو الَّذِي عَرَّف الْإِنْسَان بأَنَّه حَيَوَان ناطق
، ثَمّ جَاء تعريفات متعددة تصفه بأَنَّه حَيَوَان عَاقِل ، أَو حَيَوَان واعٍ ، أَو حَيَوَان حَالِم ، أَو حَيَوَان ذَو معَرَّفة ،
وعَرَّفه الإمَام ابْن تَمِيمَة بأَنَّه حَيّ حَسَّاس متحرك بالإرادة ،
وَكَانَت آخَر هَذِه التَّعْرِيفات تعريف الأستاذ/ أَحَمَد بِهَاء الدَّيْن ، بأَن الْإِنْسَان حَيَوَان ذَو تاريخ ،
وَخَتَمَهَا الأستاذ/ مُحَمَد مُحَسِّن بأَن الْإِنْسَان حَيَوَان تلفزيوني .
هَذِه كُلَّهَا تعريفات ذَكَرَت فِي إطار محاولَات الْبَشَرية التَّعْرِيف بالْإِنْسَان وَهْنًا عَدَت ملَاحظات لَا بُدّ مَن الْوُقُوف أمَامها .
أَولَاً : أَنَّها معظمها ارتكزت عَلَى محورية حَيَوَانية الْإِنْسَان ، وكأَن هَذَا تأكيداً غَيْر مباشر عَلَى نظرية التطور لدوران ، وَلَكَن مَا العلَاقة بَيْن الْإِنْسَان والحَيَوَان ؟ ولَمَاذا لَم يُسَمَّى الْإِنْسَان نَبَات ناطق أَو جمَاد حَالِم ، لَاسيمَا وأَن الدراسات العلَمية الْحَدِيثَة تَثْبُت أَن للكائنات جَمِيعَهَا لغتها وإحَسَّاسها وَقَدرتها عَلَى ممَارسة العادات الَاجتمَاعية وَفَّق نظامها الْخَاصّ .
ثانياً : أَن كُل هَذِه التَّعْرِيفات لَازالت مفعلة لَدَى الْجَمِيع وَتَأْخُذ مَكَانَهَا فِي الْبَحْث الفلسفِي كُل حَسَب اخْتِيَاره .
ثالثاً : ونتيجة لَمَا سَبَّق فلَم يتوصل الباحثون إِلَى الْآن إِلَى التَّعْرِيف حاسم لِلْإِنْسَان يُمَكِّن أَن يُرَجِّع إِلَيْه فِي تَفْسِير الطبيعة الْإِنْسَانية .
رابعاً : أَن اخْتِيَار أَحِّد التَّعْرِيفات السَّابِقَة يَفْتَح باباً واسعاً إِلَى العديد مَن الأسئلة ، ولنأخذ مثالَاً عَلَى ذَلِك .
إِذًا كَان الْإِنْسَان حَيَوَاناً حَالِمَاً ؟ فستنفجر فِي وجوَهْنًا الَناعسة تساؤلَات عديدة مَثَّل : -
- كَيْف يحلَم هَذَا الْإِنْسَان ؟
- وبمَاذا يحلَم ؟
- وكَيْف يَنْقُل أحلَامه إِلَى الآخَرين ؟
- وكَيْف نأَول ونفسر الأحلَام ؟
- ومَا مَدَى ارتباطها بالواقع ؟
- وَهَل يتشابه الْبَشَر فِي أحلَامهم إِذًا مَا وَقَعُوا فِي ذَات التجربة الَّتِي مُر بِهَا الآخَرون ؟ وكَيْف يُمَكِّن تَحْقِيق الأحلَام عَلَى أَرْض الواقع ؟ والخ … . الخ مَن الأسئلة الَّتِي لَا تَنْتَهِي .
وَلَكَن يَبْقَى السُّؤَال الْأَخِير فِي هَذَا الَمقال والَّذِي يَحْتَاج إِلَى إِجَابَة مَن جَمِيع الْقُرَّاء الْكِرَام .
مَا هَو تعريف الْإِنْسَان عَندكم ؟ ولَمَاذا اخترتم هَذَا التَّعْرِيف ؟
بقلم : عصام أبوالدهب
بتصريف