إلى فقيد الأمة العربية وفقيد الشعر العربي
إلى محمود درويش
رحمه الله
جالسٌ على شاطئ عكا
غلامٌ في السابعة من عمره
وبنادق المحتل تدق باب بيته
المكون من كسرة خبز وقشتين
ثوب أمه ممزق على قشة
وخارطة وطنه على الأخرى
وكسرة الخبز قد ضاقت أسنانه ذرعاً بها
عليه قطعة من قماش بالية
كأنها تشبه كوفية ممزقة !!
يهرب ..
يهرب ومن حوله الناس فارون
حريق في بلاد الشام !!
وماء الفرات لم يعد قادر على إطفاءه!
ماء النيل تُفرك به أرجل السلاطين!
وتغسل به أقداح الخمر!
لم يعد يصلح لوضوء شيخ من القدس
ولا لشرب طفل من غزة
فكيف يكفي لغسل عيني طفل من " البروة " ؟
لغسلها من تراب عفر نفسه به ,
علَّه يعمى عن نكبة حلت ببلده
لم يرد العيش أبدًا
لطالما ردد ذلك منذ ولادته
***
جاء شباط من جديد
ببرده أخذ يقرص من الغلام الجلد
في الماضي كان هناك شباط
وكان يقرص كل مرة جلد ذاك الغلام
ولكن التراب كان يحتضنه
تراب , ثرى , أم حجر مقدسي
كلها مجبولة بعرق فلسطيني
اليوم..
وضعوا الرمال في معسكرات جيوشهم
لم يبق من تراب حوله.
ووطن عربي ..
نسيج بلاد النيل ذاب في كأس خمره ,
بيوت الشعر في بلاد الحجاز تلاشت في برميل نفطه,
وعمامة اليمني أصبحت تطأها ضيوفه.
لم يجد دفئاً
سوى في عَلم أحمر جاء من بلاد الشرق
التف حول العلم
والتف حوله العلم
حول قدميه,
حول جذعه,
حول رقبته ,
لكن برد شباط لم يشعره بمحاولة العلم الأحمر قتله.
منذ نعومة أظافره..
لا, لم تكن يوماً ناعمةٌ أظافره
فقد سجل له المحتل هويته
سجل أنه عربي
ورقم بطاقته خمسون ألف
سجل أنه عربي ويعمل مع رفاقه في محجر.
منذ افتتاح ذاك المحجر..
أخذ قلمه يمتلئ حبراً
أزال العلم الأحمر من على رقبته
ولبس السوداء كوفيته
ووضع فوقها
سبع سنابل خضراء
ورمى في أرضه بذرة لصفصافة
نمت الصفصافة وعليها أوراق زيتون
وطفلة في الجوار تلاعب الجنين
في بطن أمه
كان اسمها ريتا
كما أطلق عليها ذاك الغلام درويش
كان يخرج دوماً في الليل
ويخبر الريح بأنه لم يمت
وانه عطش كما العادة
ولكن لم تعد تكفيه مياه النيل أو ماء الفرات
بل هي مياه من حوض في طريق الممات
وقطرات ندى تتسلل من على ورقة زيتون
تخاف من جندي يتربص بها
يقيم في منزله في عش حمامة برية
ليس لها عش
يتذكر في كل لحظة
بيته, من كسرة ومن قش
يسكن في عيون ريتا العسليتين
وبجانبه .. بندقية
***
هرب
ومن حوله الناس فارون
مرة أخرى
ولكنه نسيَّ جعبته
فالتف حولها الجنود يفتشونها
عسى أن يجدوا كنزه
قلم رصاص
اصفر اللون
وممحاته قد أنهت عليها قصيدته
وجدوا نظارة
على زجاجها آلاف الروايات تُحكى
وجوهٌ كثيرة..
وجوهٌ غريبة..
وجه لاجئ ,
وجه عابس ,
وجه شاعر ,
ووجه رجل يعمل في محجر.
وجدوا عليها جافات الدموع
توقظ في رائيها الحنين
***
هرب
ومن حوله الناس مجتمعين
هرب من الموت إلى الموت
هرب من ملك الموت إلى أحضان الموت
هرب وترك جعبته
ترك قلمه وترك محبرته
دواءه.. نظارته
وجميل قصائده
لم يكن من أغاني الرافدين
لم يكن من أهرامات مصر
لم يكن للخلود بشيء ليتركه الموت
لطالما خاطب الموت
وأمعن التحديق فيه
ولكنه هرب
هرب وترك لنا بيت شعر
قد كتب على جبينه
"أيها المارون فوق الكلمات العابرة
اجمعوا أشلاءكم وانصرفوا"
أيها الأعداء ..
اجمعوا أشلاءكم من سطور التلمود وانصرفوا
واتركوا لنا ماء النيل وماء الفرات
ودعونا بارتياح نمر في طريق الممات
اجمعوا أشلاءكم واتركوا الصفصافة
تزهر بأوراق الزيتون
تزهر فوق قبر درويشنا
تزهر فوق قبر جنينها
قبر منْ لم يُلدغ من فرحٍ مرتين !!
إلى محمود درويش
رحمه الله
جالسٌ على شاطئ عكا
غلامٌ في السابعة من عمره
وبنادق المحتل تدق باب بيته
المكون من كسرة خبز وقشتين
ثوب أمه ممزق على قشة
وخارطة وطنه على الأخرى
وكسرة الخبز قد ضاقت أسنانه ذرعاً بها
عليه قطعة من قماش بالية
كأنها تشبه كوفية ممزقة !!
يهرب ..
يهرب ومن حوله الناس فارون
حريق في بلاد الشام !!
وماء الفرات لم يعد قادر على إطفاءه!
ماء النيل تُفرك به أرجل السلاطين!
وتغسل به أقداح الخمر!
لم يعد يصلح لوضوء شيخ من القدس
ولا لشرب طفل من غزة
فكيف يكفي لغسل عيني طفل من " البروة " ؟
لغسلها من تراب عفر نفسه به ,
علَّه يعمى عن نكبة حلت ببلده
لم يرد العيش أبدًا
لطالما ردد ذلك منذ ولادته
***
جاء شباط من جديد
ببرده أخذ يقرص من الغلام الجلد
في الماضي كان هناك شباط
وكان يقرص كل مرة جلد ذاك الغلام
ولكن التراب كان يحتضنه
تراب , ثرى , أم حجر مقدسي
كلها مجبولة بعرق فلسطيني
اليوم..
وضعوا الرمال في معسكرات جيوشهم
لم يبق من تراب حوله.
ووطن عربي ..
نسيج بلاد النيل ذاب في كأس خمره ,
بيوت الشعر في بلاد الحجاز تلاشت في برميل نفطه,
وعمامة اليمني أصبحت تطأها ضيوفه.
لم يجد دفئاً
سوى في عَلم أحمر جاء من بلاد الشرق
التف حول العلم
والتف حوله العلم
حول قدميه,
حول جذعه,
حول رقبته ,
لكن برد شباط لم يشعره بمحاولة العلم الأحمر قتله.
منذ نعومة أظافره..
لا, لم تكن يوماً ناعمةٌ أظافره
فقد سجل له المحتل هويته
سجل أنه عربي
ورقم بطاقته خمسون ألف
سجل أنه عربي ويعمل مع رفاقه في محجر.
منذ افتتاح ذاك المحجر..
أخذ قلمه يمتلئ حبراً
أزال العلم الأحمر من على رقبته
ولبس السوداء كوفيته
ووضع فوقها
سبع سنابل خضراء
ورمى في أرضه بذرة لصفصافة
نمت الصفصافة وعليها أوراق زيتون
وطفلة في الجوار تلاعب الجنين
في بطن أمه
كان اسمها ريتا
كما أطلق عليها ذاك الغلام درويش
كان يخرج دوماً في الليل
ويخبر الريح بأنه لم يمت
وانه عطش كما العادة
ولكن لم تعد تكفيه مياه النيل أو ماء الفرات
بل هي مياه من حوض في طريق الممات
وقطرات ندى تتسلل من على ورقة زيتون
تخاف من جندي يتربص بها
يقيم في منزله في عش حمامة برية
ليس لها عش
يتذكر في كل لحظة
بيته, من كسرة ومن قش
يسكن في عيون ريتا العسليتين
وبجانبه .. بندقية
***
هرب
ومن حوله الناس فارون
مرة أخرى
ولكنه نسيَّ جعبته
فالتف حولها الجنود يفتشونها
عسى أن يجدوا كنزه
قلم رصاص
اصفر اللون
وممحاته قد أنهت عليها قصيدته
وجدوا نظارة
على زجاجها آلاف الروايات تُحكى
وجوهٌ كثيرة..
وجوهٌ غريبة..
وجه لاجئ ,
وجه عابس ,
وجه شاعر ,
ووجه رجل يعمل في محجر.
وجدوا عليها جافات الدموع
توقظ في رائيها الحنين
***
هرب
ومن حوله الناس مجتمعين
هرب من الموت إلى الموت
هرب من ملك الموت إلى أحضان الموت
هرب وترك جعبته
ترك قلمه وترك محبرته
دواءه.. نظارته
وجميل قصائده
لم يكن من أغاني الرافدين
لم يكن من أهرامات مصر
لم يكن للخلود بشيء ليتركه الموت
لطالما خاطب الموت
وأمعن التحديق فيه
ولكنه هرب
هرب وترك لنا بيت شعر
قد كتب على جبينه
"أيها المارون فوق الكلمات العابرة
اجمعوا أشلاءكم وانصرفوا"
أيها الأعداء ..
اجمعوا أشلاءكم من سطور التلمود وانصرفوا
واتركوا لنا ماء النيل وماء الفرات
ودعونا بارتياح نمر في طريق الممات
اجمعوا أشلاءكم واتركوا الصفصافة
تزهر بأوراق الزيتون
تزهر فوق قبر درويشنا
تزهر فوق قبر جنينها
قبر منْ لم يُلدغ من فرحٍ مرتين !!
منقول من كاتب الرثاء اللورد الاسمر