بسم الله الرحمن الرحيم
* الدعوة إلى الله *
@بقلم: الشيخ محمد المنسي@
قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. النحل:125
* ﴿ادْعُ﴾
هذا أمر وتكليف مباشر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأنْ يكون داعيًا إلى الله، وهو بطريق غير مباشر أمرٌ وتكليف إلى كلّ المسلمين أفرادًا وجماعات، وفي كلّ مكان وزمان بأنْ يكونوا دعاة إلى الله (عزّ وجلّ)؛ لأنّ الدّين الإسلاميّ دين عالميّ.
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾. التوبة:33
و﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾. آل عمران:109
و﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾. آل عمران:85
وغيرها من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تبيّن هذه المسألة، ومن هنا لا بدّ أنْ يتحمّل المسلم هذه المسؤوليّة، وأنْ يكون داعيًا إلى سبيل الله على مستوى نفسه، وعائلته، ومجتمعه، وبلده، بل كلّ العالم.
* توهّم
وقد يتوهم البعض بأنّه غير مشمول بهذه المسألة وإنّما هي ملقاة على عاتق الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)، والعلماء.
فنقول له: إنّ هذا التّكليف لكلّ مسلم ولكن كلّ حسب قدرته، وطاقته، وإمكانيّاته، (فإنّ التّكليف على قدر الاستطاعة)، و(كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته)، و﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾.
* تهيئة الأسباب
وعليه فلا بدّ من كلّ مسلم أنْ يسعى لأنْ يكون داعية إلى سبيل الله، وذلك بأنْ يطوّر نفسه إيمانًا، وعلمًا، وعملًا، وأنْ يسعى جاهدًا في تحصيل مواصفات وأدوات الدّاعي إلى سبيل الله، وأنْ لا يرضى لنفسه بالمستوى الأدنى في الأمور، بل تكون همّته عالية، وإرادته صلبة، وعزمه أكيدًا.
* ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾
وأنْ تكون هذه الدّعوة من أجل هداية النّاس إلى سبيل الله، وأنْ يكون هدفه رضا الله، والتّقرب إليه بالدعوة ولسان حاله: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ الإنسان:9 دون غيرها من الأهداف الشيطانيّة: من الدّعوة إلى النّفس، أو القبيلة، أو العشيرة، أو السمعة، أو الجاه، أو المنصب، أو الكرسي، أو الزعامة، أو أيّ من المطامع الدنيويّة،
* ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
وهنا تذكر الآية المباركة الأساليب الثلاثة المهمة في الدّعوة إلى سبيل الله، وهي تعتمد على تقسيم النّاس إلى:
الأول: مَن يفكّر بالعقل، ويحكّمه في أموره، ولا تغلبه العاطفة
فهذا ندعوه بأسلوب (الحكمة)، أي الخطاب العقليّ، والدليل والبرهان، وهذا في قليل من النّاس.
الثّاني: مَن تغلب عليه العاطفة، والميول، والأهواء على عقله
وهناك مِن النّاس - وهم الأغلب - مَن تغلب عليه العاطفة، والميول، والأهواء على عقله، فهذا يحتاج إلى خطاب عاطفيّ قلبيّ بـ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، والمواعظ لها أقسام، وأساليب ولكن لا يسعها هذا الاختصار.
الثالث: مَن يحاجج، ويلاجج، ويناقش
وهناك من النّاس من يحاجج، ويلاجج، ويناقش، فهذا يحتاج إلى أسلوب المجادلة والنّقاش، ﴿وَجَادِلْهُم﴾ ولكن ليس بأيّ نوع من الجدال، وإنّما ﴿بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، فالجدال له أقسام أيضًا، منها ما هو عقيم عديم الفائدة، ومنها ما له فائدة، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو أحسن وهو الأفضل والمحبّذ.
* وعليه
فلا بدّ من الدّاعية أنْ يميّز النّاس الذين يريد دعوتهم، وأنّهم من أيّ الأقسام؛ لكي يختار لهم الأسلوب المناسب، فلكل داءٍ دواءه الخاص به.