مروان البرغوثي... سيرة قائد
ينظر الفلسطينيون إلى القائد المناضل مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في فلسطين، المولود عام 1959 في قرية كوبر إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله باعتباره مهندس الانتفاضة وعقلها المدبر ورمزاً لمقاومة الاحتلال...وفي سيرة الرجل، الذي قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، انه يفضل موته على اعتقاله، ما يكفي من الدلائل والبراهين على انه ولد بالفعل من اجل مقاومة الاحتلال.
لم يكن البرغوثي، الثالث في الترتيب بين عائلة من ستة أشقاء، قد بلغ الخامسة عشرة عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي بتهمة المشاركة في تظاهرت مناهضة للاحتلال في بيرزيت ورام الله.كانت تلك البداية الميدانية لرحلة نضال استمرت حتى اليوم اتسمت بالتزام ومثابرة استثنائيين لم تثبطهما سنوات الاعتقال المتواصلة ولا المنفى، بل انه استطاع تجاوز عقوبة إبعاده عن مقاعد الدراسة بان حصل على الثانوية العامة داخل السجن، وأضاف إليها تعلمه اللغة العبرية ومبادىء الفرنسية.
وما أن انقضت سنوات السجن الطويلة الأولى بين عام 1978 وحتى أفرج عنه في مطلع العام 1983 حتى انتقل إلى جامعة يبرزيت ليحتل بسرعة رئاسة مجلس الطلبة فيها لثلاث دورات متعاقبة ويعمل أيضا على تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية في الأراضي الفلسطينية، هذه المنظمة الجماهيرية التي تشكلت في مطلع الثمانينيات واعتبرت أكبر وأوسع وأهم منظمة جماهيرية تقام في الأراضي المحتلة حيث شكلت القاعدة الشعبية الأكثر تنظيماً وقوة ولعبت دوراً رئيسياً في الانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت عام 1987.
راح البرغوثي، رغم مواصلة الجيش الإسرائيلي مطاردته وملاحقته ووضعه رهن الإقامة الجبرية وفي الحبس الإداري، ينكب على بناء ووضع لوائح ونظم هذه المنظمة بما في ذلك لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي التي انتشرت في جميع القرى والبلدات والمخيمات والمدن، وحركة الشبيبة الطلابية في الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية ولجان المرأة للعمل الاجتماعي، وحركة الشبيبة العمالية وغيرها من الأطر التي أقيمت على أسس ديمقراطية.
تعرض ألبرغوثي للاعتقال والمطاردة طوال سنواته الجامعية حيث اعتقل عام 84 لعدة أسابيع في التحقيق و أعيد اعتقاله في أيار 85 لأكثر من 50 يوما في التحقيق، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في نفس العام ثم اعتقل إدرايا في آب 85 عندها طبقت إسرائيل سياسة القبضة الحديدية في الأراضي المحتلة وتم من جديد إقرار سياسة الاعتقال الإداري والإبعاد وكان السجين الأول في المجموعة الأولى في الاعتقالات الإدارية وفي عام 86 تم إطلاق سراحه وأصبح مطاردا من قوات الاحتلال إلى أن تم اعتقاله وإبعاده خارج الوطن بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين في إطار سياسة الإبعاد التي طالت العديد من القادة في الأراضي الفلسطينية.
عمل البرغوثي بعد ابعاده مباشرة الى جانب الشهيد القائد أبوجهاد الذي كلّفه بالمسؤولية والمتابعة في تنظيم الأراضي الفلسطينية، وعمل لفترة قصيرة مع أبو جهاد حتى استشهاده، ورافقه في آخر زيارة له إلى ليبيا حيث تم اغتياله بعد عودته بعدة أيام.
استمر ألبرغوثي في موقعه في المنفى عضوا في اللجنة العليا للانتفاضة في م.ت.ف التي تشكلت من ممثلي الفصائل خارج الأراضي الفلسطينية، وعمل في اللجنة القيادية لفتح (القطاع الغربي) وعمل مباشرة مع القيادة الموحدة للانتفاضة.
وفي عام 89 وفي المؤتمر العام الخامس لحركة فتح انتخب البرغوثي عضوا في المجلس الثوري للحركة من بين 50 عضوا، وقد جرى انتخابه بشكل مباشر من مؤتمر الحركة الذي وصل عدد أعضائه إلى 1250 عضواً، وكان ألبرغوثي في ذلك الوقت العضو الأصغر سنا الذي ينتخب في هذا الموقع القيادي الرفيع في حركة فتح في تاريخ الحركة.
في نيسان/أبريل عام 1994 عاد البرغوثي على رأس أول مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة، وبعد ذلك بأسبوعين وفي أول اجتماع لقيادة فتح في الضفة الغربية وبرئاسة الراحل فيصل الحسيني تم انتخاب البرغوثي بالإجماع نائبا للحسيني وأمين سر للحركة في الضفة الغربية ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي والنضالي. إذ بادر ألبرغوثي على إعادة تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية و التي كانت قد تعرضت لضربات شديدة من قبل الاحتلال وشهدت حالة من التشتت والانقسام، ونجح في إعادة تنظيم الحركة من جديد في فلسطين في شهر واحد رغم المعارضة الشديدة التي جوبه بها من قبل اللجنة المركزية، حيث انطلقت مسيرة عقد المؤتمرات في داخل الحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة على مستوى الأقاليم والمناطق وانشغل البرغوثي لعدة سنوات في هذا الأمر حيث عقد أكثر من 150 مؤتمراً في الضفة الغربية والتي شارك فيها عشرات الآلاف من الأعضاء، وانتخبوا هيئات قيادية جديدة.
كان ألبرغوثي يعتقد أن هذه المؤتمرات يجب أن تكون مقدمة لعقد المؤتمر العام السادس للحركة الذي كان يرى فيه ضرورة تعزيز وتكريس الديمقراطية في الحركة.
في عام 96 وفي إطار الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية انتخب البرغوثي عضوا في المجلس التشريعي نائبا عن دائرة رام الله، وقد عمل البرغوثي في المجلس في إطار اللجنة القانونية واللجنة السياسية، وقد كان ذلك بسبب اهتمامه الشديد بموضوع سيادة القانون وتعزيز السلطة القضائية واستقلاليتها وإقرار منظومة من القوانين الفلسطينية العصرية الحديثة إذ أعطى اللجنة السياسية اهتمامه البالغ بقضية استكمال معركة الحرية والاستقلال.
ترأس البرغوثي كذلك، أول صداقة برلمانية فرنسية - فلسطينية وقد عمل على تعزيز العلاقات الفرنسية الفلسطينية من خلال العديد من النشاطات والزيارات المتبادلة.
وقد حرص البرغوثي في إطار عمله في المجلس على ممارسة دور النائب الملتزم بقضايا الجمهور، حيث كان له دورا بارزا وفاعلا في المجلس وفي لجانه المختلفة، كما انه كان عضوا بارزا وفاعلا في لجنة التحقيق في الفساد والتي انبثقت عن المجلس التشريعي عام 97 كما انه عمل بنشاط ملحوظ وبارز مع التجمعات السكنية المختلفة من خلال عقد الاجتماعات والندوات في القرى والمخيمات ومع المجالس البلدية والهيئات المختلفة والجمعيات المختلفة، كذلك ساعد عشرات التجمعات في مشاريع البنية التحتية حيث أولى اهتماما خاصا لهذه المشاريع لاسيما المدارس بما في ذلك مدارس الإناث، ومن خلال عمله في المجلس شارك في عدد كبير من المؤتمرات البرلمانية والندوات الدولية والنشاطات السياسية المختلفة في العديد من دول العالم.
والبرغوثي، الذي يحمل درجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية ودرجة الماجستير في العلاقات الدولية وعمل حتى اعتقاله محاضرا في جامعة القدس في أبو ديس، متزوج من السيدة والمحامية فدوى البرغوثي والتي تعمل منذ سنوات طويلة في المجال الاجتماعي وفي مجال المنظمات النسائية، ألا أنها برزت كوجه سياسي وإعلامي بعد اختطاف زوجها من قبل الإسرائيليين حيث تمكنت بجدارة من الدفاع عن زوجها وحمل رسالته في كافة الدول وفي وسائل الإعلام المختلفة، ولهذا الغرض فقد تجولت في أكثر من 20 بلدا متحدثة عن الانتفاضة والمقاومة ممثلة بذلك صوت زوجها.
وللبرغوثي ولزوجته أربعة أولاد أكبرهم القسام الذي اعتقل أواخر العام 2003 وربى وشرف وعرب.
تعرض البرغوثي إلى أكثر من محاولة اغتيال على أيدي القوات الإسرائيلية ونجا منها وعند اختطافه في 15/4/2002 قال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أنه يأسف لإلقاء القبض عليه حياً وكان يفضل إن يكون رمادا في جره"،أما شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي فقد علق على اختطاف البرغوثي بالقول "إن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي وان اعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة".الياكيم روبنشتاين المستشار القانوني للحكومة قال "إن البرغوثي مهندس إرهابي من الدرجة الأولى وقد راجعت ملفاته طوال ثلاثين عاما ووجدت انه من النوع الذي لا يتراجع ولذلك يتوجب إن يحاكم بلا رحمة وإن يبقى في السجن حتى موته".
وبتاريخ 20/5/2004 عقدت المحكمة المركزية في تل أبيب جلستها لإدانة القائد المناضل مروان ألبرغوثي، حيث كان القرار بإدانته بخمسة تهم بالمسؤولية العامة لكونه أمين سر حركة فتح، وبكون كتائب شهداء الأقصى تابعة لفتح فأن أي عمل عسكري قامت به يتحمل مسؤوليته. وقد طالب الادعاء العام بإنزال أقصى العقوبة بحق البرغوثي وطالب بإصدار حكم بسجنه خمسة مؤبدات وأربعون عاما.
عُقدت الجلسة الأخيرة لمحاكمة القائد المناضل مروان البرغوثي في السادس من حزيران 2004، في المحكمة ألمركزيه بتل أبيب وأصدرت حكمها عليه بالسجن خمسة مؤبدات وأربعون عاما وهي العقوبة القصوى التي طالب بها الادعاء العام. ورد البرغوثي في جلسة المحكمة مخاطبا القضاة "إنكم في إصداركم هذا الحكم غير القانوني ترتكبون جريمة حرب تماما مثل طياري الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال". وأضاف البرغوثي " إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن".
المناضل البرغوثي، خلال سنوات الاعتقال الماضية، لعب دورا بارزا في نجاح "اتفاق القاهرة" بين الفصائل الفلسطينية، والذي قاد إلى مشاركة معظم الفصائل في انتخابات المجالس البلدية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية 1/2006، والاتفاق على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. كما كان بشكل دائم يدعو إلى إصلاح حركة فتح ودمقرطتها ونبذ سياسة الإقصاء والتغييب دافعا باتجاه عقد المؤتمر السادس لحركة فتح لانتخاب قيادة جديدة للحركة وإبعاد رموز الفساد، هذا المؤتمر الذي لا زال يلقى معارضة ومماطلة من اللجنة المركزية للحركة.
ترأس المناضل مروان البرغوثي القائمة الموحدة لحركة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، في التاسع من أيار 2006 وقع البرغوثي نيابة عن حركة فتح "وثيقة الوفاق الوطني" الصادرة عن القادة الأسرى في سجون الاحتلال، وقد تبنت منظمة التحرير الفلسطينية هذه الوثيقة باعتبارها أساسا لمؤتمر الوفاق الوطني، وقد قادت هذه الوثيقة إلى اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في شباط 2007.