في ليلة مقمرة من ليالي سبتمر المنعشة بنسائمهِ الفاترة وكانت الليلة قد تجاوزت نصفها وكانت المدينة في سكون لو أستثنينا منها أصوات بعض السيارات الساهرة بعد أن هجعت سكانها للنوم وتوارت العصافير في أحضان الأشجار القائمة على أطراف الساحة ومن خلال ألأنوار الخافية المنبعثة من العمارات والبنايات الشاهقة لتزين المدينة من ردائها الأسود ليتبين لنا وعلى الجسر القائم على نهر دجلة رجلاً يتمشى متعرجاً يتمايل في مشيتهِ ثملاً كعادتهِ في كل ليلة وعلى شفتيهِ أغنية يرددها بلا إدراك أو تفهم لمعانيها وهكذا ساقتهُ قدماهُ الى نهاية الجسر حيث ألتقى بفتاة كانت تجلس القرفصاء وهي مرتعشة. فأقترب منها ليجلس الى جانبها بنفس الجلسة ويسألها.
- مًن أنتِ؟ وما الذي تفعلينهُ في هذا المكان والزمان؟
فرفعت بصرها تنظر اليهِ بصمت ليتبادلا نظرات الأستغراب فهو راى فيها أو أراد أن يرى فيها واحدة من بنات الليل اللواتي يتسكعن الشوارع في مثل هذا الوقت لكنهُ أدرك في داخلهِ بأنها صبية بريئة وقد تكون لها قصة عجيبة. أما هي ومن خلال الضوء الخافت المطل على وجهه رأت في هيئتهِ رجلاً لم تشعر في داخلها بانهُ رجلُ ككل الرجال الذين تسمع عنهم ولم ترهم. وهنا ردت بخجل وخوف
- ليس لي مسكن يأويني مثل بقيت البشر. فانا منذُ أن طردتني زوجة أبي أنام على الأرصفة مثل الكلاب السائبة في هذةِ المدينة.
- ولماذا طردتكِ زوجة أبيكِ؟
- لأني رفضتُ الزواج من الرجل المسن الثري الذي أختارتهُ لي.
بينما بقي هو ينظر أليها متأملاً وجهها الجميل وجسدها النحيل ثم يحيطها بذراعيهِ القويتين ليضمها الى صدره قائلا:ً
- لا تخافي مني يا صغيرتي سأجعل لك منذ اليوم مسكن تسكنين فيهِ وسريراً تنامين عليهِ. هيا أتبعيني.
فنهضت الفتاة لتتبعهُ بدون رغبة منها كما تتبع الأغنام الذئاب مجبرة ولم تكن تدرك بأن الذي تهرب منهُ هنا ستلقاهُ هناك. وهكذا أحضرها الى منزله وجهزه لها غرفة وسرير ثم جلب لها هدايا كثيرة ملابس وعطور وكانت فرحة بهم وهي تجربهم واحدة بعد الأخرى ..انها لم ترتد من قبل ملابس جديدة فهي كانت تكتسي الملابس القديمة لأولاد زوجة أبيها. وهنا تناول الذئب قميص نوم أبيض شفاف ثم أقترب من فريستهُ قائلاً لها هي قيسي هذا القميص أمامي أريد أن أراكِ بهِ لكن الفتاة كانت خجلة منهُ فأقترب منها مستعيناً بمكره ليقنعها بأنها ستصبح زوجتهُ في المستبل. وببراءة الأطفال أستسلمت لكلماتهِ الرقيقة ومداعباتهِ الحنونة. وهي فاقدة الحب والحنان منذُ أن فقدت والدتها واصبحت تعيش مع زوجة أبيها حياة الموات في زنزانة مظلمة. ومن يومها لم تر عيناها الطبيعة ونور الشمس ولم ترقد على سرير كانت احجار الزنزانة تسجل اثارها على جسدها كل ليلة وفي الصباح لم تجد نافذة تطل منها النور على الغرفة ليشعرها بانها على قيد الحياة. حتى ذلك اليوم الذي وجدت نفسها في الشارع لكي يختار لها القدر أتعس ذئب ويضعهُ امام أرنب بريئ جريح كانت تنتظر أن يداويها ولكن سبب لها أقسى جرح.
وبعد مرور أيام على الحادثة وكعادتهُ كان يتمشى على نفس الجسر وعلى نفس الوضعية الى أن ساقتهُ قدماهُ الى نهاية الجسر ثانية.
وفجأة توقف وهو يشاهد الزخم الكبير على حافة الشاطئ فاقترب أكثر ثم زاد بهِ الفضول ليسأل عن الذي حدث فأخبروهُ بأن فتاة قد رمت بنفسها في النهر. وعندما أقترب أكثر من الجثة المرمية فوجئ بان التي كانت مجثمة على الأرض هي فريستهُ أرادت بأنتحارها هذا أن تنتقم منهُ لكنهُ لم يبالي بالحدث وأكمل مشواره بنفس الضمير الميت.
ومنذُ متى يملك ذلك الرجل بين أضلعهِ تلك الصفة الذي يسمونها الضمير؟ !