مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم والتسامح الديني
د. قطب عبد الحميد قطب
اتَّسَمَتْ حَياةُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالإنْسَانيَّةِ الفَائِقَةِ حَتَّى مع الخُصُومِ والأعداء، ففي غَزْوَةِ خَيْبَر غَنِمَ المسلمونَ فيما غَنِمُوا صَحائِفَ مُتَعَدِّدَةً مِنَ التَّوراةِ، فلَّما جاءَ اليهودُ يَطْلُبُونَها أَمَرَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بتَسْلِيمِها لَهُم .
وهذه غايةُ التَّسَامُحِ وغَايةُ الإنْسَانيَّةِ في احْتِرَامِ الشُّعُورِ الدِّينِيِّ للأعداءِ حَيْثُ لم يَتَعَرَّضْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِسُوءٍ لِصُحُفِهِم المُقَدَّسَة، فأينَ هذا مما يَفْعَلُهُ بَعضُهُم بالقُرْآنِ الآن؟!وقد مَرَّتْ بِهِ صلى الله عليه وآله وسلم جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِي، فَقَالَ:
{ أَلَيْسَتْ نَفْسا }
. فأيُّ تكريمٍ للإنسانيةِ يُسامِي هذا التكريم؟!
واشْتَرَى واقْتَرَضَ وارْتَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مِنَ اليَهُودِ ليُعَلِّمَ أُمَّتَهُ جَوازَ المعاملةِ مع أهلِ الكِتاب، و«تُوُفِّيَ صلى الله عليه وآله وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي بِثَلاَثِينَ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ».وقد فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مَكَّةَ فَفَتَحَ على أعدائِهِ وخُصُومِهِ بابَ الرَّحمةِ والمغفرةِ لا بابَ القَهْرِ والذِّلَّة، وقال في خطبته يوم الفتح :
{ يا مَعْشَرَ قريش ما تَرَونَ أنِّي فاعِلٌ بكم؟ }
قالوا: خيراً أَخٌ كريمٌ وابنُ أَخٍ كريمٍ
قال : { فإني أقول لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه: لا تثريبَ عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء } .
وقد «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً في بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرا ثُمَّ قَالَ:
{ ...اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدا }.
وفي حَجَّةِ الوَدَاعِ رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإنسانيةِ كَرامتَها واعتبارَها عندما قال في خُطْبَتِهِ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى } .
ولقد عاش النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حياتَهُ كُلَّها يغرسُ في أصحابِهِ معاني الرحمةِ لكل ذي رُوحٍ من إنسانٍ وحَيوانٍ حتى قال:
{ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ }
وقال : { بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ }
فإذا كانتِ الرَّحْمَةُ بالكِلابِ تَغْفِرُ ذُنُوبَ البَغَايَا، فكيفَ بِرَحْمَةِ الإنسانِ بأخيهِ الإنسان؟!.
@@@@@