قلمي الحر .. اراد ان يعبر لكم عما يجوب فى خاطره..
اتمنى ان تقرأو بأمعان,,..
أجمع العرب على شيء واحد خلال العقود الثلاثة الماضية هو خيار السلام الاستراتيجي مع العدو الصهيوني باعتبار السلام هو الطريق الوحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق ، وربما كان هناك تباين بين الموقف السوري وباقي المواقف العربية باعتبار أن تحديد سوريا لهذا الخيار لا يمنعها من استخدام باقي الخيارات وهو ما قام الرئيس بشار الأسد بتوضيحه في إحدى خطاباته الجماهيرية ، وقد مارست سوريا قناعتها بالخصوص عبر دعم كل فصائل المقاومة العربية، والفلسطينية خصوصاً ، لكن برغم ذلك فقد بقيت سوريا تعمل ضمن الإطار العربي على هذا الصعيد ، والصورة العامة توضح بشكل لا لبس فيه أن العرب يقرون بعجزهم عن مواجهة العدو ، أو بصيغة أكثر لطفاً حريصون على السلام العالمي وأنهم حضاريون وملتزمون بالقانون الدولي وشرائعه والتي تعني المطالبة بالحقوق عبر الوسائل السلمية .
إذن فقد قدم العرب عبر كل هذه السنوات الدليل على التزام السلام والسعي عبر المؤسسات الدولية والأمم المتحدة للحصول على حقوقهم بالوسائل الحضارية السلمية ، وكان يجب أن يتم هذا في فترة سابقة ، لكن الذي جرى كان بخلاف ذلك تماماً حيث رفضت إسرائيل بدعم أمريكي واضح كل الصيغ والحلول التي تعيد حقوقنا ووصل الأمر بوزير خارجية قطر للقول للعرب أنه يجب عليهم استجداء الولايات المتحدة الأمريكية إن أرادوا الحصول على جزء من هذه الحقوق أو منع بطشها عنا .
وكما نرى الآن وبدون الغوص في تفاصيل الاعتداءات المستمرة منذ سنوات طويلة على امتنا وعلى الشعب الفلسطيني خاصة نجد أن التمادي قد وصل إلى حدوده القصوى قتلاً وتدميرًا ، وحصاراً هو بمثابة الإعدام لمليون ونصف مليون مواطن عربي فلسطيني .
إن الغضب الذي اجتاح المنطقة والبيانات المستنكرة والمسيرات المنددة بالعدوان والحصار هي أمر جيد ومهم وهو يعني مشاركة الناس في حمل هموم قضاياها المصيرية ، لكن هذا غير كافي من أجل تعديل الصورة البائسة التي وجدنا أنفسنا عليها منذ انقسم العرب بين مناصر لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة وبين معاد لها ، برغم أن الرأي العام العربي بأغلبيته الساحقة يناوىء هذه السياسة ويراها سياسة ظالمة وعدوان على الأمة العربية وحقها في فلسطين والعراق وكل مكان وطأته أقدام الغزاة الأمريكيين .
ولا زالت كلمات السيد فاروق الشرع حول السطو المسلح في توصيف غزو أمريكا للعراق هي التعبير الأكثر دقة عن كل السياسة الأمريكية في منطقتنا ومساندتها الخاطئة للكيان الصهيوني المحتل .
إن الإجماع الذي تحدثنا عنه حول الاستراتيجية العربية وخيار السلام لا يجد أي رضىً في الشارع العربي ولو أجرينا استطلاعاً للرأي لوجدنا نسبة كبيرة من هذا الشارع العربي غير مقتنعة به وتجده غير مجد في التعامل مع إسرائيل .
لقد قدم العرب كل شيء تقريباً من أجل السلام وعودة الحقوق وكان الرد الإسرائيلي مزيد من الغطرسة والتنكر لهذه الحقوق بذرائع وحجج مختلفة ، لكنها ذرائع لا تقنع حتى طفل صغير وكلنا يعلم أنه لولا الغطاء الأمريكي والدعم اللامحدود منها لإسرائيل لتبدل الموقف كلياً وربما لتعاملت هذه الدولة المارقة بمنطق مختلف ، ولذلك فقد بدا خيار السلام كضرب من ضروب خداع الذات في ظل هذه الصورة ، والمدهش في الموضوع أن الجهة التي تجعل خيار السلام العربي مستحيلاً وغير قادر على إعادة الحقوق هي ذات الجهة التي يضعها العرب ويقبل بها حكامنا لتكون القاضي والحكم بيننا وبين إسرائيل.
إن ما يجري في قطاع غزة يؤلم كل إنسان عربي بل وكل نفس بشرية سوية ، وهو يقدم صورة من أبشع ما يمكن لعملية قتل وإذلال لكل العرب والروح الإنسانية أيضاً ، وهو يجري بموافقة ومباركة أمريكية فاضحة ، والغضب يجتاح نفوسنا حتى البكاء ، لكن شدة المأساة يجب أن لا تحرفنا عن الرؤية الهادئة والموضوعية لطرق المعالجة وكيفية الرد على الانتهاكات المستمرة لحياة شعبنا ولأرضنا ولكرامتنا أيضاً.
إن استمرار الخيار العربي بالصورة التي كان ولا يزال عليها لن يخدم مصالح العرب ولا القضية الفلسطينية وقد حان الوقت من أجل إعادة النظر في هذه الاستراتيجية ولن نعدم وسيلة من أجل تظهير صورة أخرى واستراتيجية جديدة ومجدية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ، كما تغيير العناوين لبرامجنا والاستعداد لكل الاحتمالات بما في ذلك استمرار العدو في عناده وعدوانه الوحشي مع استمرار الغطاء والدعم الأمريكي له .
إن خيار الحرب مع إسرائيل في الوقت الحالي صعب من زاوية أن نكون نحن البادئين وسيبقى كذلك لسنوات ربما ، لكن هذا الخيار قد يكون واقعا ملموساً خلال فترة قصيرة بسبب إستراتيجية العدوان التي يتبناها العدو فماذا نحن فاعلون ؟ إذن هناك احتمال يجب أن نضعه دائماً ضمن استراتيجيتنا ورؤيتنا للمستقبل ويجب مناقشته في كل دوائر صنع القرار العربي .
ولو استبعدنا هذا الخيار من استراتيجيتنا وأردنا وضع مخطط آخر في إطار إستراتيجية عنوانها استعادة الحقوق بالطرق السلمية ، وهذه تختلف عن خيار استراتيجي بعنوان السلام ، لان استعادة الحقوق بالطرق السلمية لا تفترض لا الاعتراف بالكيان ولا التطبيع معه ولا الانصياع للاملاءات الأمريكية وغير ذلك مما جربناه طويلاً .
إن خياراتنا الجديدة يجب أن تقوم على أسس العداء الذي تبديه الولايات المتحدة لنا ولحقوقنا وتقدمنا ، كما لعروبتنا وللإسلام حتى بوسطيته الإنسانية ، ومن هنا وضع ذلك بعين الاعتبار في حركتنا وعلاقاتنا ، حتى لو أدى ذلك إلى توتير هذه العلاقات وتخريب قسم من تجارتنا معها بما في ذلك النفط الذي استبعدناه من مخططاتنا السلمية لاستعادة حقوقنا ولا نعرف لماذا .
وضمن الاستراتيجية الجديدة العودة للأمم المتحدة والتشبث بها وبقراراتها مع تعزيز العلاقات مع الدول الكبرى بخلاف أمريكا ممن تمارس سياسة لها هامش من الاستقلالية عن سياسة أمريكا الظالمة .
وفي إطار الاستراتيجية والخيارات يجب استبعاد كل المبادرات المرنة تجاه العدو والكف عن تقديمها بين الحين والآخر ذلك أن هذا لا يقدم شيئاً لنا بل يجب أن تنصب المبادرات في إطار الأمم المتحدة وقراراتها ، من أجل تفعيل هذه القرارات ، والتوقف عن لعب دور التابع لما تسميه الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وربط ذلك إن كان لابد من المشاركة بالحرب على الإرهاب بكل صوره بما في ذلك إرهاب الدولة العبرية .
لن نتقدم خطوة للأمام ما دمنا نتهيب خوض الصراع السلمي مع كل معسكر الخصم بما فيه أمريكا ، وكما أن مصالح الدول هي ما يحركها ويحدد سياستها فعلينا أن نفعل ذات الشيء وليس لأحد أن يقول انه لا قبل لنا بأمريكا لأننا لا ندعو لإعلان الحرب على أمريكا بل لإعلان سياسة تنسجم مع مصلحة شعوبنا وقضايانا ومركزها فلسطين وحقوق شعبها التي سلبت منذ ستين عاماً .
هذا في إطار المواقف الرسمية العربية أما في استراتيجية الجماهير وطلائعها الثورية والقومية وحتى الدينية فان استمرار المقاومة والممانعة يجب أن يبقى الجزء الأهم من هذه الاستراتيجية ، ولن تنفع كل الأساليب الهمجية التي تلجأ لها إسرائيل في تركيع الناس لا في غزة ولا في أي مكان من وطننا العربي الكبير وستأتي لحظة ترغم فيها سلطات الدول العربية على التناغم والانسجام مع جماهيرها ، وحينها تبدأ مرحلة جديدة لإستراتيجية جديدة.
تحياتي
حليم