تناولت الأم مفاتيح سيارتها ونزلت وابنها منطلقين إلى المدرسة. الابن متذمراً كعادته وشاكياً. أدارت محرك السيارة، بعد أن وضعت ابنها بجانبها ثم همّت بالانطلاق على عجل.
السيارة مسرعة. الأم هائجة بعض الشيء. الطفل يلعب بأنامله الصغيرة ويمد بصره من النافذة، لا إلى الأشجار فهو يعلم أن النظر إليها سيؤلم عنقه. هو ينظر هنا وهناك، يحاور ندى الأوراق، يغني مع تغريد الحمام ويبهج السماء بكلمات تكاد معظمها تنقص حرفاً أو اثنين منها تاهوا بين أسنانه المعدودة!
أحبّته السماء، فنادته إليها.. ومَكَرَ القدر! فإذا بشاحنة تصطدم بالسيارة. وغادر الطفل بعيداً غير مدرك إلى أين، ولكنه ابتهج.. ابتهج لفكرة أن لن تكون هناك مدرسة بعد اليوم ! ذاك ما سمعه من أناس يلبسون بيض الثياب وتلفّهم هالة من نور. غادر الطفل بعيداً، رافق الندى، طار مع الحمام مغرداً ورماه القدر في أحضان طيّات رياح العدم.. فكانت الرحلة الأخيرة قبل الإقامة في السماء؛ تلبية لدعوتها!
الأم: حالة من الهلع. تصارع ذاتها المذنبة. تلقي نفسها في فجاج الندم. تذرف دموعاً عساها تمحو ذنباً لا يغتفر. تحييها ذكراه، ففي كل زاوية من زوايا اليوم صورة له..تمزّقت، وضحكة من ثغره.. تلاشت، ونظرة براءة وحب.. ضاعت، كلمة " ماما " في الأثير.. أُخرِست، وقبلة على الجبين طارت مع الحمام إلى السماء .. أو دفنت!
تذكر اشتياق عينيه لها عندما كانت تغيب، وكيف يمد أهدابه لمعانقتها من بعد طول غياب. وكيف ينام بجوارها على السرير ويده تغفو في حضن يدها. وحين كانت تعمل كان يكون بجوارها دوماً يصلح الأوراق من بعدها بالقلم الأحمر وهو مُرتَدٍ نظارتها، ويقول بصوت تملؤه البهجة : " هكذا تفعل معلمتي ! ". وكيف هدهدها ذاك اليوم عندما كانت تبكي في الفراش، وكيف أنها لا ترى الشمس إلا في محيـاه .
وتذكر.. وتذكر.. وتذكر..
وحين تفرغ من ذكرياتها الجميلة المرة، تذكر أخيراً سؤال المحقق لها من بعد الحادث بدقائق :
" ما لون شعر الضحية؟"
السيارة مسرعة. الأم هائجة بعض الشيء. الطفل يلعب بأنامله الصغيرة ويمد بصره من النافذة، لا إلى الأشجار فهو يعلم أن النظر إليها سيؤلم عنقه. هو ينظر هنا وهناك، يحاور ندى الأوراق، يغني مع تغريد الحمام ويبهج السماء بكلمات تكاد معظمها تنقص حرفاً أو اثنين منها تاهوا بين أسنانه المعدودة!
أحبّته السماء، فنادته إليها.. ومَكَرَ القدر! فإذا بشاحنة تصطدم بالسيارة. وغادر الطفل بعيداً غير مدرك إلى أين، ولكنه ابتهج.. ابتهج لفكرة أن لن تكون هناك مدرسة بعد اليوم ! ذاك ما سمعه من أناس يلبسون بيض الثياب وتلفّهم هالة من نور. غادر الطفل بعيداً، رافق الندى، طار مع الحمام مغرداً ورماه القدر في أحضان طيّات رياح العدم.. فكانت الرحلة الأخيرة قبل الإقامة في السماء؛ تلبية لدعوتها!
الأم: حالة من الهلع. تصارع ذاتها المذنبة. تلقي نفسها في فجاج الندم. تذرف دموعاً عساها تمحو ذنباً لا يغتفر. تحييها ذكراه، ففي كل زاوية من زوايا اليوم صورة له..تمزّقت، وضحكة من ثغره.. تلاشت، ونظرة براءة وحب.. ضاعت، كلمة " ماما " في الأثير.. أُخرِست، وقبلة على الجبين طارت مع الحمام إلى السماء .. أو دفنت!
تذكر اشتياق عينيه لها عندما كانت تغيب، وكيف يمد أهدابه لمعانقتها من بعد طول غياب. وكيف ينام بجوارها على السرير ويده تغفو في حضن يدها. وحين كانت تعمل كان يكون بجوارها دوماً يصلح الأوراق من بعدها بالقلم الأحمر وهو مُرتَدٍ نظارتها، ويقول بصوت تملؤه البهجة : " هكذا تفعل معلمتي ! ". وكيف هدهدها ذاك اليوم عندما كانت تبكي في الفراش، وكيف أنها لا ترى الشمس إلا في محيـاه .
وتذكر.. وتذكر.. وتذكر..
وحين تفرغ من ذكرياتها الجميلة المرة، تذكر أخيراً سؤال المحقق لها من بعد الحادث بدقائق :
" ما لون شعر الضحية؟"