لا تندهش
لا تندهش عندما تحسُّ بأن [ بخاخا ] عطريا رطبا قد انتثر فوق رأسك
>وملابسك وأنت تسير في شارع العطور بالقرب من بلدية غزة ، فتقف لتتعقبه
>،فتكتشف مصدره بخاخٌ بين إصبعي بائع العطور ينثره فوق رؤوس المارين
>كلون من ألوان الدعاية الجميلة .
>
>ولا تستغرب بعد لحظات من بخة العطر السابقة حينما تدخل السوق الرئيسي
>المجاور تماما لشارع العطور فتغرق قدماك في [ لابا] سوداء أو [ لاصة]
>بالدارجة الفلسطينية ، وهي مزيج من ماء المجاري ، وماء تنظيف السمك ،
>فأنت تكون بالضبط في وسط سوق فراس ، حيث أكوام النفايات تحيط بالبضائع
>من كل جانب ، والناس يتجولون ، يشترون ويعودون إلى بيوتهم سعداء ...
>
>ابتسم أيضا ..........فأنت في غزة .
>
>ولا تستغرب حين تقابلك سيارة ، تسير في الاتجاه المعاكس ، لا لأن
>الطريق في الاتجاه الآخر مغلقٌ ، بل لأن سائقها أراد أن يخالف المعتاد
>ويتحدى ، فيشرع في تفرّس وجوه السائقين المحتجين منتظرا أن يسمع كلمة
>احتجاج بصوت عالٍ لتبدأ معركةٌ ، لا تنتهي في الغالب إلا بقتيل أو
>قتيلين !
>
>وبعد لحظاتٍ أيضا تمر عند إشارة المرور فتجد سيارات كثيرة واقفةً
>احتراما للإشارة ، على الرغم من خلو الطريق تماما من المرور ....
>
>فافرح وردد [ أنتَ في غزة] .
>
>ولا تستغرب أيضا عندما تشاهد امرأة ناضجة تسير أمامك وهي تلبس السواد
>والنقاب الكامل ،والقفازات والجوارب الطويلة السوداء وهي تمسك بيدها
>ابنتها أو أختها أو قريبتها الشابة التي تلبس لباس الجينز وتضع كل
>المساحيق والأصباغ والروائح العطرة الجذابة !
>
>فابتسم أيضا لأنك تكون بالضبط في غزة !
>
>ولا تشعر بالضيق حينما تمرُّ في شارعٍ مملوء بعمال النظافة الناضجين،
>ممن يلبسون طاقيات (اليوأن دي بي) ويضعون يافطة على الطريق تقول: مشروع
>تشغيل البطالة تنفذه وزارة الأشغال بالتعاون مع (اليو أندي بي ) وهم
>يزيلون الرمال من على الإسفلت ويكومونها بجوار الإسفلت نفسه في انتظار
>هبوب الرياح في اليوم التالي ، أو في اليوم ذاته : فتعود (ريما إلى
>حالتها القديمة) بعد ساعة أو أكثر!
>وبعد أن تصل آخر العاملين من جيش النظافة ، لا تمتعض أيضا عندما تشاهد
>أحدهم يرمي من سيارته زجاجة العصير التي شربها وسط الإسفلت فتتحطم
>أمامك بالضبط ،على بعد أمتار من عمال النظافة فما عليك إلا أن تبتسم
>....
>فأنت تكون في عمق غزة .
>
>ابعد عنك أيضا الإحباط والتعاسة وأنت تشاهد قافلة صغيرة من سيارات زفات
>العرس وأصوات الطبول والزغاريد تخرج من سيارة قصف الآذان الآذان ، وهم
>يغلقون الشارع بالكامل ،غير آبهين بالمارين والعابرين لأنهم ببساطة
>سعداء منتشين بإغلاقهم الطريق أكثر من سعادتهم بالفرح نفسه ، وإمعانا
>في [ الفرحة ] ينزلون وسط الطريق ويرقصون وهم يصورون [ الزحمة] مما
>يجعل مشاهدي الفرح يظنون أن كل السيارات التي تقف مكرهة ، تشارك هي
>أيضا في حفل الزفاف ، وان كل السيارات المحبوسة رغم أنفها هم أهل
>العريس والعروس .... فمبروك للعروسين !!
>وغير بعيد عن هذا المنظر منظر سرادق [عزاء] يسد الطريق الوحيد ، على
>الرغم من وجود مساحة جانبية كبيرة وواسعة في المكان نفسه ، وذات يوم
>تساءلتُ في عزاء أحد معارفي : لماذا نصبوا السرادق في الشارع وأغلقوه
>بإحكام على الرغم من أن الفراغ في بيتهم أوسع بكثير من الشارع ؟
>فأجاب أحد الخبراء في فن العزاء قائلا :
>كيف يكون العزاءُ عزاءً إذا لم نغلق الطريق ؟
>وإذا رأيت المنظرين السابقين .......
>
>فتبسَّم لأنك تكون في غزة هاشم !
>
>لا تستغرب كثيرا أيضا وأنت ترى صرافي النقود المتجولين في الأسواق ،
>وهم يحملون في أياديهم آلاف الدنانير والدولارات بلا اكتراث أو خوف ،
>وأنت تراقب عشرات محلات الصرافة غير المحروسة ، ومحلات بيع الذهب
>المكشوفة ، وغير بعيد عن المنظر السابق ترى عصابةً من المسلحين أو
>الملثمين تجبرُ سائقا على التوقف وتسلبه سلاحه وسيارته وهاتفه الجوال
>أيضا ، وفي المكان نفسه تجد تجار السلاح وتجار النحاس الذائب من أسلاك
>الهاتف المسروقة يبيعون ويشترون بجوار سيارات الشرطة الزرقاء ....
>فقهقه من كل قلبك لأنك تكون في غزة أيضا !
>
>وأخيرا لا تندهش حينما تسمع حوارا سياسيا في سيارة أجرة عن حجم الأمل
>المرتقب في حكومة الوحدة الوطنية ، ويأمل المتفائل بأننا سنعود
>كسنغافورة من جديد على يد تلك الحكومة ، وأن بساط الريح الفلسطيني يوشك
>أن يُقلع في سماء العالمين !
>وفي السيارة نفسها من ينقبض صدره من الحديث السابق ، ويرد بعنف وبتحدٍ
>يقول :
>القادم كقطعٍ من الليل الأسود ، نهاره ليل ، وليله أحمر ، وليست حكومة
>الوحدة الوطنية سوى حكومة [ الوحلة] الوطنية .....
>وأخيرا فلا تستغرب وأنت تقرأ على أحد الجدران حديثا منسوبا إلى الرسول
>الكريم يقول:
>( من ماتَ ولم يغزُ ، ولم يحدثْ نفسه بالغزو ، مات ميتة جاهلية) وفي
>المقابل بخط كبير تهنئة بعرسٍ تقول : [ بالرفاء] للعروسين وليس بالرفاه
>والفرق بينهما كبير ، وإلى جوار التهنئة دعاية انتخابية قديمة تقول : "
>إذا انتخبتم الحاج يزيد ... مرتبكم يتضاعف ويزيد ... وكل همومكم بعون
>الله تبيد " وغير بعيد عن اللوحتين مجموعة من الشباب والشابات يرسمون
>على الجدران لوحات انطباعية وسريالية بألوان زاهية ! فابتسم أيضا بنقاء
>وصفاء
>
>لأنك تكون في قلب غزة !
تحياتي