لحظة مواجهة
تغلغلت أشعة الشمس الصباحية عبر ستائر النافذة، فتحت سلام عينيها ببطء .. تمطت ..
وبحزن .. وبأسى .. مدت يدها تتحسس الوسادة الخالية .. وبصمت .. وبغزارة انحدرت دموعها تحمل من الفؤاد الكثير من الألم والمعاناة ..
"أين أنت يا زوجي الحبيب ؟؟" ..
آه .. ما أقسى الأقدار ..
إنه يبيت ليلته عند الزوجة الأخرى .. وهي .. هي تعيش مع نصف رجل .. أو ربما أقل .. هي لا تدري النسبة بالتحديد .. فلعلها بقايا رجل .. المهم ..
إنها تعيش ملحمة انتظار طويلة .. يسلمها فيها الليل إلى النهار لتعاود الروح مسيرتها في هاجرة الصبر .. ثم يسلمها النهار إلى الليل لتؤرق العين ظلمته وبرودته ..
وتمر الليالي .. باردة نصفها .. فارغة نصفها .. قاتلة نصفها ..
ولكنها الأيام تمضي ..
وهاهو يوم جديد آتٍ ..
ها هو يوم جديد آت .. ولابد لها من أن تبدأ نهارها الآن.
رفعت غطاءها ونهضت ..
لا فائدة من الجلوس مع دوامة الأفكار المزعجة ..
لا جدوى من اجترار الحزن والإمعان في التفاصيل المؤلمة .. لا يغير البكاء على العمر المنهوب شيئاً من النتيجة الخاسرة .. لابد من أن تبدأ نهارها البارد هذا دائما من جديد.
رتبت منزلها بسرعة غير اعتيادية .. وجهزت طعامهما بنشاطٍ ملحوظ .. ثم عزمت على الخروج إلى الحديقة المجاورة لتروح عن نفسها قليلاً ولتملأ رئتيها بالهواء النقي المنعش ..
هناك وتحت شجرة كثيفة الأوراق وعلى مقعدٍ خشبيٍ عتيق .. جلست ترقب البطات البيضاء التي تعوم في البركة .. متنقلة بنظرها من الأزهار الجميلة إلى المياه المتراقصة إلى ملاعب الأطفال التي تغص بهم وبصخبهم المتواصل.
لم تطل وحدتها كثيراً .. فقد قطع استرسال شرودها تحية .. فسؤال ..
- السلام عليك يا أختاه .. هل تسمحين لي برفقتك بعض الوقت؟
نظرت سلام إلى السائلة .. كانت امرأة مقعدة تتخذ كرسياً متحركاً ذا عجلات، يشع في وجهها إشراق ناعم ويكسو ملامحها بشرٌ وبراءة ..
ردت على الفور. وكأنها تغيث ملهوفاً:
- على الرحب والسعة .. أهلاً بك.
- لقد تنقلت في أرجاء الحديقة لفترةٍ طويلةٍ وعندما أردت الاستراحة قليلاً التقيتك واستأنست بوجودك.
- أهلاً بك .. أنا أيضاً وحيدة كما ترين .. لقد شعرت بالضجر والضيق فأتيت إلى هنا .. منزلي قريب ولكنني أحسست بأن جدرانه تضغط على صدري وتخنقني ..
صمتت سلام فجأة وقد اعتراها الخجل من نفسها وراودتها خواطر سريعة .. "جدران المنزل تخنقك؟ تسجنك؟ هل ضقت بها؟ فما بال المرأة التي أمامك يحتجزها كرسي متحرك، تجلس عليه برجل واحدة؟" .. رفعت إلى وجه المرأة الغريبة عينين يقطر منهما حياء واستدراك .. وكأنها أرادت تغيير مسار تفكيرها الذي يدور حول مأساتها فقط.
وبلهجة مختلفة سألتها:
- هل تقطنين قريباً من هنا؟
وبذكاء من يقرأ عيون الآخرين ويفهم من خلال تحركاتها ما يدور في رؤوسهم .. أدركت الغريبة أن اختلاف نبرة الحديث من الشكوى والتذمر إلى المؤانسة والتظرف قد أخفى في طياته نوعاً من الشفقة على وضعها الخاص .. عندها ملأها التحدي وأرادت أن تثبت لها أن الإعاقة لا تكون خارجية أبداً .. لا تكون في أجسادنا أبداً مهما اعتراها النقص أو المرض .. وإنما هي داخلنا .. في نفوسنا .. نحملها معنا في الحلّ والترحال ..
وبابتسامة دافئة قوية أجابت:
- نعم أسكن في الطابق الأرضي من ذلك المبنى عند زاوية الشارع .. ولقد تعبت من كثرة التحديق في الحاسوب والأوراق المتراكمة فوق الطاولة، وأتيت أمنح عيوني قسطاً من الراحة والاسترخاء.
- وهل تعملين على الحاسوب؟
- أنا أعمل لحسابي الخاص .. لقد ألفت كتاباً عن مهارات الحياة وأقوم بتنسيقه استعداداً لطباعته.
- ما شاء الله لا قوة لا بالله .. ما هي دراستك؟
- لقد تخرجت من كلية الاجتماع منذ أكثر من عشرة أعوامٍ .. وتابعت الدراسات العليا حتى حصلت على درجة الماجستير وهآنذا أعدّ رسالة الدكتوراه.
- وفقك الله .. ولكن .. هل تسمحين لي بسؤال؟
ابتسمت المرأة من جديد .. رغم أن الابتسامة لم تفارق شفتيها أبداً:
- لابد أنه نفس السؤال الذي يطرحه علي من يعرفني لأول مرة .. قصة الرجل المبتورة .. أليس كذلك؟ .. الحمد لله فلم يعد يؤلمني السؤال .. لقد أصابها مرض خطير، تفاقم واستشرى حتى بات يهدد حياتي كلها .. صار الموت المحتم يتسلقها خلية خلية .. وكان لابدّ من البتر إنقاذاً لما تبقى من أعضاء الجسد .. بل وإنقاذاً للحياة نفسها .. وصارت معادلة " ِرجل مبتورة خير من حياة سقيمة تتدهور إلى موتٍ سريعٍ" تفرض نفسها كحلٍّ وحيد ..
وهأنذا كما ترين سليمة صحيحة لا ينقصني سوى ذاك العضو المريض .. لقد استعدت عافيتي تماماً بعد أعوامٍ من الإنهاك والاعتلال والسقم.
ولقد بدأت حياتي ثانية .. رغم الصعوبة في أول الأمر وتكيفت مع الوضع الجديد وانطلقت أرفض الهزيمة والاستسلام فالحياة لا تتوقف مهما كانت خسائرنا فيها .. وليس أروع من أن نصنع نصراً بعد أي خسارة.
أصغت سلام بقلبها إلى كلّ كلمة ..
أصغت بعقلها .. بجوارحها .. بكل ذرة في كيانها.
كان الحديث رغم إيلامه عذباً .. يلمس في النفس شفافية وثقة .. ويوقظ في مخازن الذاكرة مشاعر الصحوة .. ويفتح صناديق الأماني الغافية في سباتٍ قديمٍ.
غالبت دموع اليقظة ومدّت إلى المرأة المقعدة يداً مرتعشة:
- أهنئك من كلّ قلبي .. وتشرفني معرفتك وصداقتك .. ولكن أستأذنك الآن .. وأرجو أن نلتقي دائماً إذا سمحت لي.
- بكلّ سرور .. رافقتك السلامة.
غذّت سلام خطاها أول الأمر .. وكأنها تهرب من شيءٍ ما .. أو كأنها تتجنب لحظة مواجهة مُرّة .. أو لعلها كانت تسارع إلى اقتناص صيد ثمين لمع بارقة في سماء فكرها .. أو تسابق إلى استبقاء ذاك التوهج الذي سرى في خواطرها ..
حقاً ما أشبه حياة المرأة الغريبة بحياتها ..
لقد أصاب العطب حياتها الزوجية .. وبدأ يتغلغل كالخلايا القاتلة التي تبتلع كل ما حولها .. لقد تحولت جزئيات الحياة والتفاصيل الصغيرة فيها إلى مجازر تقتل براءة الحب وتغتال الود والرحمة وتشوه وجه السكينة والسكن .. وبعدها ..
ألم يرحل زوجها باحثاً عن امرأة أخرى علّه يجد لديها ما لم يجده هنا؟! ألم يكن فقده اقتطاعاً لحقّها في السعادة والهناء؟! ألم يكن زواجه الثاني بتراً لجزءٍ عظيمٍ من قلبها .. وروحها؟!
لقد عاد إليها بعد تجربته الأخرى، بغير الوجه الذي ذهب به .. نعم .. إنه يعود إليها الآن محملاً بدفء ما .. بتغاضٍ مقصودٍ عن منغصات قديمة .. بتوددٍ يتألّف به مشاعرها ويضمّد به جراحها .. إنه يعود إليها بين الحين والآخر حسب موازين العدل الأرضي ليحيل التفاصيل التي كانت تجلد روحها وتعذب لحظات عمرها إلى صمت جميل .. ووداعة آسرة وهي الآن تعيش حياة خالية أو شبه خالية من المشاكل والنكد .. حياة مبتورة .. ناقصة .. لكنها تنعم بالسلام فما أشبهها حقاً بحياة تلك المرأة المقعدة .. ما أشبهها .. مع الفارق الذي أدركته سلام مؤخراً .. بأن انغماسها الشديد في أحزان فقدها هذا واستسلامها الخائر لمصيبتها يجعلها تغدو كياناً مهملاً مهمّشاً لا دور فعال له ..
أدركت سلام السر الذي يصنع الفرق بين الأفراد و الذي لا يقصر القوة على تحمل المصيبة فحسب .. بل يتعداها إلى تجاوزها واحتوائها بإيجابية فعالة.
أدركت سلام أخيراً .. أن الصبر والتسليم والرضا أجزاءٌ لا تتكامل إلا بالتحدي والمواجهة والإنجاز..
تغلغلت أشعة الشمس الصباحية عبر ستائر النافذة، فتحت سلام عينيها ببطء .. تمطت ..
وبحزن .. وبأسى .. مدت يدها تتحسس الوسادة الخالية .. وبصمت .. وبغزارة انحدرت دموعها تحمل من الفؤاد الكثير من الألم والمعاناة ..
"أين أنت يا زوجي الحبيب ؟؟" ..
آه .. ما أقسى الأقدار ..
إنه يبيت ليلته عند الزوجة الأخرى .. وهي .. هي تعيش مع نصف رجل .. أو ربما أقل .. هي لا تدري النسبة بالتحديد .. فلعلها بقايا رجل .. المهم ..
إنها تعيش ملحمة انتظار طويلة .. يسلمها فيها الليل إلى النهار لتعاود الروح مسيرتها في هاجرة الصبر .. ثم يسلمها النهار إلى الليل لتؤرق العين ظلمته وبرودته ..
وتمر الليالي .. باردة نصفها .. فارغة نصفها .. قاتلة نصفها ..
ولكنها الأيام تمضي ..
وهاهو يوم جديد آتٍ ..
ها هو يوم جديد آت .. ولابد لها من أن تبدأ نهارها الآن.
رفعت غطاءها ونهضت ..
لا فائدة من الجلوس مع دوامة الأفكار المزعجة ..
لا جدوى من اجترار الحزن والإمعان في التفاصيل المؤلمة .. لا يغير البكاء على العمر المنهوب شيئاً من النتيجة الخاسرة .. لابد من أن تبدأ نهارها البارد هذا دائما من جديد.
رتبت منزلها بسرعة غير اعتيادية .. وجهزت طعامهما بنشاطٍ ملحوظ .. ثم عزمت على الخروج إلى الحديقة المجاورة لتروح عن نفسها قليلاً ولتملأ رئتيها بالهواء النقي المنعش ..
هناك وتحت شجرة كثيفة الأوراق وعلى مقعدٍ خشبيٍ عتيق .. جلست ترقب البطات البيضاء التي تعوم في البركة .. متنقلة بنظرها من الأزهار الجميلة إلى المياه المتراقصة إلى ملاعب الأطفال التي تغص بهم وبصخبهم المتواصل.
لم تطل وحدتها كثيراً .. فقد قطع استرسال شرودها تحية .. فسؤال ..
- السلام عليك يا أختاه .. هل تسمحين لي برفقتك بعض الوقت؟
نظرت سلام إلى السائلة .. كانت امرأة مقعدة تتخذ كرسياً متحركاً ذا عجلات، يشع في وجهها إشراق ناعم ويكسو ملامحها بشرٌ وبراءة ..
ردت على الفور. وكأنها تغيث ملهوفاً:
- على الرحب والسعة .. أهلاً بك.
- لقد تنقلت في أرجاء الحديقة لفترةٍ طويلةٍ وعندما أردت الاستراحة قليلاً التقيتك واستأنست بوجودك.
- أهلاً بك .. أنا أيضاً وحيدة كما ترين .. لقد شعرت بالضجر والضيق فأتيت إلى هنا .. منزلي قريب ولكنني أحسست بأن جدرانه تضغط على صدري وتخنقني ..
صمتت سلام فجأة وقد اعتراها الخجل من نفسها وراودتها خواطر سريعة .. "جدران المنزل تخنقك؟ تسجنك؟ هل ضقت بها؟ فما بال المرأة التي أمامك يحتجزها كرسي متحرك، تجلس عليه برجل واحدة؟" .. رفعت إلى وجه المرأة الغريبة عينين يقطر منهما حياء واستدراك .. وكأنها أرادت تغيير مسار تفكيرها الذي يدور حول مأساتها فقط.
وبلهجة مختلفة سألتها:
- هل تقطنين قريباً من هنا؟
وبذكاء من يقرأ عيون الآخرين ويفهم من خلال تحركاتها ما يدور في رؤوسهم .. أدركت الغريبة أن اختلاف نبرة الحديث من الشكوى والتذمر إلى المؤانسة والتظرف قد أخفى في طياته نوعاً من الشفقة على وضعها الخاص .. عندها ملأها التحدي وأرادت أن تثبت لها أن الإعاقة لا تكون خارجية أبداً .. لا تكون في أجسادنا أبداً مهما اعتراها النقص أو المرض .. وإنما هي داخلنا .. في نفوسنا .. نحملها معنا في الحلّ والترحال ..
وبابتسامة دافئة قوية أجابت:
- نعم أسكن في الطابق الأرضي من ذلك المبنى عند زاوية الشارع .. ولقد تعبت من كثرة التحديق في الحاسوب والأوراق المتراكمة فوق الطاولة، وأتيت أمنح عيوني قسطاً من الراحة والاسترخاء.
- وهل تعملين على الحاسوب؟
- أنا أعمل لحسابي الخاص .. لقد ألفت كتاباً عن مهارات الحياة وأقوم بتنسيقه استعداداً لطباعته.
- ما شاء الله لا قوة لا بالله .. ما هي دراستك؟
- لقد تخرجت من كلية الاجتماع منذ أكثر من عشرة أعوامٍ .. وتابعت الدراسات العليا حتى حصلت على درجة الماجستير وهآنذا أعدّ رسالة الدكتوراه.
- وفقك الله .. ولكن .. هل تسمحين لي بسؤال؟
ابتسمت المرأة من جديد .. رغم أن الابتسامة لم تفارق شفتيها أبداً:
- لابد أنه نفس السؤال الذي يطرحه علي من يعرفني لأول مرة .. قصة الرجل المبتورة .. أليس كذلك؟ .. الحمد لله فلم يعد يؤلمني السؤال .. لقد أصابها مرض خطير، تفاقم واستشرى حتى بات يهدد حياتي كلها .. صار الموت المحتم يتسلقها خلية خلية .. وكان لابدّ من البتر إنقاذاً لما تبقى من أعضاء الجسد .. بل وإنقاذاً للحياة نفسها .. وصارت معادلة " ِرجل مبتورة خير من حياة سقيمة تتدهور إلى موتٍ سريعٍ" تفرض نفسها كحلٍّ وحيد ..
وهأنذا كما ترين سليمة صحيحة لا ينقصني سوى ذاك العضو المريض .. لقد استعدت عافيتي تماماً بعد أعوامٍ من الإنهاك والاعتلال والسقم.
ولقد بدأت حياتي ثانية .. رغم الصعوبة في أول الأمر وتكيفت مع الوضع الجديد وانطلقت أرفض الهزيمة والاستسلام فالحياة لا تتوقف مهما كانت خسائرنا فيها .. وليس أروع من أن نصنع نصراً بعد أي خسارة.
أصغت سلام بقلبها إلى كلّ كلمة ..
أصغت بعقلها .. بجوارحها .. بكل ذرة في كيانها.
كان الحديث رغم إيلامه عذباً .. يلمس في النفس شفافية وثقة .. ويوقظ في مخازن الذاكرة مشاعر الصحوة .. ويفتح صناديق الأماني الغافية في سباتٍ قديمٍ.
غالبت دموع اليقظة ومدّت إلى المرأة المقعدة يداً مرتعشة:
- أهنئك من كلّ قلبي .. وتشرفني معرفتك وصداقتك .. ولكن أستأذنك الآن .. وأرجو أن نلتقي دائماً إذا سمحت لي.
- بكلّ سرور .. رافقتك السلامة.
غذّت سلام خطاها أول الأمر .. وكأنها تهرب من شيءٍ ما .. أو كأنها تتجنب لحظة مواجهة مُرّة .. أو لعلها كانت تسارع إلى اقتناص صيد ثمين لمع بارقة في سماء فكرها .. أو تسابق إلى استبقاء ذاك التوهج الذي سرى في خواطرها ..
حقاً ما أشبه حياة المرأة الغريبة بحياتها ..
لقد أصاب العطب حياتها الزوجية .. وبدأ يتغلغل كالخلايا القاتلة التي تبتلع كل ما حولها .. لقد تحولت جزئيات الحياة والتفاصيل الصغيرة فيها إلى مجازر تقتل براءة الحب وتغتال الود والرحمة وتشوه وجه السكينة والسكن .. وبعدها ..
ألم يرحل زوجها باحثاً عن امرأة أخرى علّه يجد لديها ما لم يجده هنا؟! ألم يكن فقده اقتطاعاً لحقّها في السعادة والهناء؟! ألم يكن زواجه الثاني بتراً لجزءٍ عظيمٍ من قلبها .. وروحها؟!
لقد عاد إليها بعد تجربته الأخرى، بغير الوجه الذي ذهب به .. نعم .. إنه يعود إليها الآن محملاً بدفء ما .. بتغاضٍ مقصودٍ عن منغصات قديمة .. بتوددٍ يتألّف به مشاعرها ويضمّد به جراحها .. إنه يعود إليها بين الحين والآخر حسب موازين العدل الأرضي ليحيل التفاصيل التي كانت تجلد روحها وتعذب لحظات عمرها إلى صمت جميل .. ووداعة آسرة وهي الآن تعيش حياة خالية أو شبه خالية من المشاكل والنكد .. حياة مبتورة .. ناقصة .. لكنها تنعم بالسلام فما أشبهها حقاً بحياة تلك المرأة المقعدة .. ما أشبهها .. مع الفارق الذي أدركته سلام مؤخراً .. بأن انغماسها الشديد في أحزان فقدها هذا واستسلامها الخائر لمصيبتها يجعلها تغدو كياناً مهملاً مهمّشاً لا دور فعال له ..
أدركت سلام السر الذي يصنع الفرق بين الأفراد و الذي لا يقصر القوة على تحمل المصيبة فحسب .. بل يتعداها إلى تجاوزها واحتوائها بإيجابية فعالة.
أدركت سلام أخيراً .. أن الصبر والتسليم والرضا أجزاءٌ لا تتكامل إلا بالتحدي والمواجهة والإنجاز..