موضوعي هذا يلي عايز يطور فكره السياسي والفتحاوي يقراه باستيعاب
الموضوع كبير شوية بس مهم لكل كادر فتحاوي
تطور الفكر الفتحاوي
الفكر لا يولد في الفراغ، فهو حالة ابداعية لابد ان يبزغ كضرورة حتمية في مواقف يتطلب فيها حل المشكلات المستعصية اكتساب معرفة جديدة متميزة. وهو بذلك عملية تفاعل الانسان مع موضوع المعرفة، اي مع الحالة التي تسبق مباشرة قدرة الفرد على تحديد مكانه في الواقع. والفكر الذي ينطلق من الواقع الراهن الذي يعيش ازمة او مشكلة مستعصية يتطلب معرفة متميزة بشموليتها التي تحيط بالواقع من كل جوانبه، وتحدد كل ما فيه من اطراف وتناقضات، وتميز بين جوهر التناقضات ومظاهرها. كما تحدد اهداف كل طرف على ساحة الصراع الاساسية التي لابد ان يتم حسم الصراع عليها. كما ان الفكر لا يتجمد عند حدود معرفة الواقع الراهن في حالته الساكنة (الاستاتيكية)، ولكنه يتجدد عبر النفاذ الى جوهر التطور العقلي لعملية الصراع بين التناقضات في حالتها المتحركة(الديناميكية). ويتسلح الفكر بمعرفة التجارب الانسانية التي تصدت لحل مشكلات او ازمات تعطي دروساً مستفادة. وهنا لابد من التأكيد على عدم نسخ التجارب الناجحة في واقع ما الى الواقع الذي نسعى لمعالجة ازمته دون التأكد من ملائمتها لهذا الواقع. كما ان جذور التجارب الذاتية التي اوصلت الواقع الى ما هو عليه تلعب دورها في صياغة فكر المستقبل الذي ينتج عن حل التناقضات في الواقع الراهن.
وهنا تبرز حقيقة الثابت والمتغير في الفكر السياسي. فالجانب الحقوقي والفلسفي والايديولوجي والعقيدي من الفكر المتعلق بالمبادئ لا ينتفي بغياب القوة والقدرة على حمايته وتجسيده بتحقيق الهدف الاستراتيجي. اما العمل السياسي الذي ينطلق من ان السياسة هي فن الممكن فانه يدرك العلاقة بين النظرية والتطبيق، وهو بذلك يخضع الممارسات لهذا الادراك. فالعمل السياسي يقوم على رؤية ضمنية لما هو افضل ولما هو اسوأ. وهو لا يندفع لتحقيق هدف دون اعطاء اي اهتمام او اعتبار للعواقب من هذا الاندفاع، فالسياسي يرى الامور بطريقة اكثر تفهماً وعمقاً وينصب بفكره على ان المنافع التي يحققها العمل لا تستتبع ردود فعل ومفاسد تفوق المنافع التي تحققت. وهنا يكون للقاعدة العملية في السياسة انها ليست فقط فن الممكن انجازه من الاهداف، وانما هي ايضاً فن الممكن افشاله من اهداف العدو، حيث يصبح درء المفاسد اولى من جلب المنافع.
لقد ولد الفكر الفتحاوي في خضم صراعات محلية واقليمية ودولية. وفي بوتقة تتناحر فيها الافكار المحلية والاقليمية. وتتمايز رؤيتها للواقع ودرجة معرفتها لحقيقتة. واختلفت الرؤية لدى الاحزاب والحركات السياسية لاطراف التناقض وطبيعته وساحة الصراع الاساسية. ولهذا اختلفت اساليب المواجهة. فالفكر الديني الذي رأى ان التناقض هو بين المسلمين واليهود ورآه الفكر القومي كصراع بين القوميين العرب والحركة الصهيونية. اما الفكر الماركسي فكان يراه صراعاً طبقياً. وكانت الافكار جميعها تنطلق من ان الغزو اليهودي او الصهيوني او الرأسمالي انما هو اعتداء صارخ على شعب فلسطين والامة العربية والامة الاسلامية. كانت شعارات الفكر القومي تركز على الوحدة والحرية والاشتراكية. وتؤكد على ان الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين. وكان الفكر الديني يرى ان العودة الى الله والشريعة الاسلامية والوحدة الاسلامية هي ضرورة ربانية لتحرير فلسطين. اما الماركسيون فقد تمترس بعضهم خلف الصراع الطبقي وامكانية تحالف العمال العرب واليهود ضد المستغلين الاستعماريين والصهاينة والرجعيين العرب. في حين ادرك البعض الآخر عمق الصله.
لقد مر الفكر الفتحاوي في مراحل تميزت كل منها بخصوصية. والرجعيين العرب ولكن جذور الحقيقة والمنطلقات ظلت ثابتة وستبقى. ولفهم طبيعة تطور الفكر الفتحوي لابد لنا من تناوله بالتفصيل من خلال مكوناته الاساسية وهي الفكر السياسي ثم الفكر التنظيمي ثم الفكر العسكري.
وسنحاول في هذه الدراسة التركيز على الفكر السياسي الفتحاوي وتطوره عبر المسيرة النضالية حتى الواقع الراهن.
تطور الفكر السياسي الفتحاوي
حيث ان حركة فتح لم تطرح منذ البداية فكراً عقائدياً وايديولوجية ناتجة عن تكوين نسق فكري عام وشامل يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد، وما وراء الطبيعة من ترابط في الافكار السياسية والاخلاقية والفلسفية، فقد حددت فتح مرحلة نضالها بأنها مرحلة التحرر الوطني. وان فكرها يتركز على متطلبات هذه المرحلة لتحقيق اهدافها في الحرية والاستقلال الوطني. وحيث ان هذه الاهداف العامة تشكل تياراً عريضاً فان متابعة تطور الفكر السياسي الفتحوي في دراستنا سيتركز على الوثائق الحركية الرسمية المعتمدة من الهيئات الرسمية وبياناتها وليس على الافكار الخاصة بالافراد التي تعبر عن اجتهادات وتعارضات مقبولة في اطار التيار الوطني العريض.
لابد لدراسة التطور ان نبدأ من نقطة الانطلاق الفكري. من نقطة التأسيس الحركي ومن ثم متابعة هذه العملية الفكرية وتجسدها تنظيمياً في المراحل الثقافية. وهو ما يتطلب دراسة التغييرالنظري الذي يحدث اثر ذلك على الممارسة العملية وتطورها الامر الذي يحدد نتائج الممارسة العملية واثرها على التطور النظري في المراحل التالية.
تنص المادة العاشرة، الباب الاول من النظام الاساسي لحركة فتح تحت عنوان المبادئ الاساسية للحركة على ان (حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) هي حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني) والنظام الاساسي للحركة هو اكثر الوثائق الحركية تعبيراً عن جماعية الخط السياسي والتنظيمي للحركة . فالنظام الاساسي يقره المؤتمر العام للحركة .. وتنبع اهميته من كونه تطبيقاً للمنطلقات النضالية التي تقوم عليها الحركة. وهو تعبير عن نظرتها لطبيعة العلاقات التي تقوم بين الحركة وبين مختلف القوى والتنظيمات . كما انه يرسم الاطار التنظيمي الذي يحدد علاقة الاعضاء بعضهم ببعض بما يحفظ خط الحركة ومستقبل الثورة .
وبالعودة الى نقطة البداية حيث الوثيقة الرسمية الاولى التي اصدرتها حركة فتح عام 1957 تحت عنوان (بيان حركتنا) فاننا ندخل الى عالم الحركة الداخلي ونستطلع فكرها في مرحلة التأسيس الذي كانت له جذوره العميقة في التاريخ الفلسطيني والعربي والاسلامي .. وله واقع راهن استمده من حالة الضياع والتشرد للشعب الفلسطيني . وما نتج عنه من تهميش وطمس للشخصية الوطنية الفلسطينية منذ النكبة عام 1948 . وله مستقبل يتطلع الى تحقيقه عبر الثورة .
ان ابرز ما يمكن توثيقه كنقطة بداية لتطور الفكر السياسي الفتحوي ينطلق من نصوص بيان حركتنا. ففي الفقرة الاولى تحت عنوان نبذة تاريخية، حدد البيان ساحة الصراع واطراف الصراع واهدافه حيث نص البيان على مايلي :
لقد تعرضت فلسطين لابشع انواع المؤامرات على الصعيدين العربي والعالمي، وكانت المؤامرات تتجه دائماً نحو هدف محدد واحد ، هو اغتصاب فلسطين المقدسة واعطائها لقمة سائغة لليهود والصهاينة بعد شل ايدي عرب فلسطين من الدفاع عن حقوقهم . ولقد وقعت الكارثة والشعب العربي في كل مكان يعيش تحت ظروف قاسية من تسلط الحكام والمستعمرين، وكانت الحكومات العربية اداة طيعة في ايدي الاستعمار والصهيونية . وقعت الكارثة في غفلة من الامة العربية ولم يكن ابناء فلسطين غافلين عن قضيتهم مطلقاً . كانوا متيقظين ، فقد صارعوا الانتداب البريطاني والصهيونية العالمية وصمدوا لثلاثين عاماً. وقفوا وحيدين في المعركة وذاقوا خلالها كل الوان الاضطهاد الاستعماري وقدموا الالاف من الشهداء الابطال والضحايا الابرياء بثوراتهم العديدة وايام كفاحهم الطويل. وحينما انتزعت الدول العربية زمام المبادرة من الشعب الفلسطيني بامر من المستعمرين فتحوا النافذة للاستعمار والصهيونية فحولوا فلسطين الى قطيع من اللاجئين البائسين . وبعدها منعت الدول العربية جميعها بامر من الاستعمار والصهيونية ايضا شعب فلسطين العربي من التجمع والتكتل للاستعداد لاستعادة وطنهم . وكقناع وضعت هذه الدول فئات تافهة متنافرة تنافر هؤلاء الحكام، تتحدث باسم شعب فلسطين كما يريد الحكام المأجورون والانتهازيون او ما يطلب المستعمرون منهم ان يقولوا . لقد تشتت شعب فلسطين على ايدي اليهود وبعض الحكام العرب . واستمر هذا التشرد رغم تغيرات جوهرية حدثت في البلاد العربية، وزيادة على هذا الضياع لشعبنا فقد عملت دوائر الصهيونية والاستعمار ومن يدور في فلكها على تلطيخ ماضي شعب فلسطين الوطني باتهامات بيع الاراضي والخيانة وغيرها. (1)
مما تقدم نلمس بايجاز واضح كيف حددت حركة فتح اطراف الصراع بحيث يشكل جبهتين . الاولى جبهة الشعب الفلسطيني والامة العربية . والثانية جبهة الاعداء وتضم الاستعمار البريطاني واليهود والصهيونية العالمية والحكومات العربية (بعض الحكام العرب) التي كانت اداة طيعة في ايدي الاستعمار والصهيونية.
اما ساحة الصراع الرئيسية فهي فلسطين.
اما هدف جبهة الاعداء فهو اغتصاب فلسطين المقدسة واعطائها لقمة سائغة لليهود والصهاينة بعد شل ايدي عرب فلسطين.
اما هدف الشعب الفلسطيني. فهو الدفاع عن حقوقه وامانيه
(التي وضعها نصب عينيه وناضل لتحقيقها مصمماً على ان تكون فلسطين ارضاً عربية ليس للصهيونية فيها مكان). (2) وهذا يؤكد على ان الصراع ذو طبيعة عدائية وحدية بما يحتم انبثاق الثورة:
ولما كان الشعب الفلسطيني مكبلاً بالحديد والنار في كل مكان ولما كانت التكتلات الموجودة بين صفوف الشعب الفلسطيني لم تفد القضية فانه لابد من ان تنطلق من آمال وآلام الشعب العربي الفلسطيني حركة فاعلة تلم الشعب وتهيئ الفلسطيني معنوياً وثورياً لاسترداد وطنه المغتصب واستئصال الكيان الصهيوني من بلادنا.
وان التهيئة للثورة لتحرير ديارنا السليبة تعيد الطمأنينة الى النفوس المنكوبة وتهدئ من حدة الالام التي يرزح شعبنا تحت وطأتها فتمتلئ نفوس شعبنا بالثقة بقدرته على تحرير وطنه من الغزاه الصهاينة. لقد فشل جميع من عالجوا قضيتنا لاننا كنا مبعدين عنها. لذا فان شعبنا الان في امس الحاجة الى طليعة تنظمه في حركة منظمة تقوده للثورة التي يراها السبيل القويم لمعالجة قضيتة وازالة النكبة). (3) وجاء في البيان تحت عنوان حركتنا مايلي:
حركتنا - حركة وطنية ثورية منبثقة من صميم ارادة الشعب الفلسطيني ووجدانه، حركتنا- حركة تدعو الشعب الفلسطيني الى الوحدة الوطنية الفلسطينية. حركتنا حركة تهدف لخلق الشخصيةالعربية الفلسطينية في الوجود العربي والدولي. حركتنا حركة تسعى لتعبئة الشعب الفلسطيني ليقود ثورة تحرير فلسطين من الصهيونية والاستعمار. حركتنا بعيدة عن الاقليمية وتؤمن بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير). (4)
واضافة الى هدف الشعب الفلسطيني والامة العربية فان حركة فتح التي تعتبر نفسها طليعة الشعب الفلسطيني قد حددت في ختام بيانها اهداف الحركة كمايلي:
(ان هدف حركتنا الاساسي هو انقاذ وطننا السليب وتحريره من الغزاة. ومن هذا الهدف تنبثق الاهداف الاخرى المتطلعة الى بعث الحرية والكرامة الوطنية لشعبنا والرامية الى تعبئة شعبنا مادياً ومعنوياً واعداده ثورياً وعسكرياً ليهيء لانطلاق الثورة المسلحة في الجزء المغتصب من وطننا كحل جذري لنسف هذا الاغتصاب.
"والحركة تؤمن بضرورة الحياد في طريقها فلن تنحاز لاي جهة ضد الاخرى. ولكنها ستكون بالمرصاد لاي جهة تضر بمصالح القضية الفلسطينية.
وهي ستقبل العون غير المشروط من المصادر النظيفة وستمضي في طريقها مستنيرة بآراء المخلصين في دنيا العرب غير تابعة.. ولا خاضعة او موجهة، مدعومة يقوة الشعب العربي في كل مكــــــان.
ان اول ما يلفت النظر ذلك التطابق والثبات الذي عرفت فيه الحركة نفسها في بيان حركتنا عام 1957 وفي النظام الاساسي الذي لا يزال ساري المفعول عام 1998 بأنها (حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني).
وهنا تبرز حقيقة الثابت والمتغير في الفكر السياسي. فالجانب الحقوقي والفلسفي والايديولوجي والعقيدي من الفكر المتعلق بالمبادئ لا ينتفي بغياب القوة والقدرة على حمايته وتجسيده بتحقيق الهدف الاستراتيجي. اما العمل السياسي الذي ينطلق من ان السياسة هي فن الممكن فانه يدرك العلاقة بين النظرية والتطبيق، وهو بذلك يخضع الممارسات لهذا الادراك. فالعمل السياسي يقوم على رؤية ضمنية لما هو افضل ولما هو اسوأ. وهو لا يندفع لتحقيق هدف دون اعطاء اي اهتمام او اعتبار للعواقب من هذا الاندفاع، فالسياسي يرى الامور بطريقة اكثر تفهماً وعمقاً وينصب بفكره على ان المنافع التي يحققها العمل لا تستتبع ردود فعل ومفاسد تفوق المنافع التي تحققت. وهنا يكون للقاعدة العملية في السياسة انها ليست فقط فن الممكن انجازه من الاهداف، وانما هي ايضاً فن الممكن افشاله من اهداف العدو، حيث يصبح درء المفاسد اولى من جلب المنافع.
لقد ولد الفكر الفتحاوي في خضم صراعات محلية واقليمية ودولية. وفي بوتقة تتناحر فيها الافكار المحلية والاقليمية. وتتمايز رؤيتها للواقع ودرجة معرفتها لحقيقتة. واختلفت الرؤية لدى الاحزاب والحركات السياسية لاطراف التناقض وطبيعته وساحة الصراع الاساسية. ولهذا اختلفت اساليب المواجهة. فالفكر الديني الذي رأى ان التناقض هو بين المسلمين واليهود ورآه الفكر القومي كصراع بين القوميين العرب والحركة الصهيونية. اما الفكر الماركسي فكان يراه صراعاً طبقياً. وكانت الافكار جميعها تنطلق من ان الغزو اليهودي او الصهيوني او الرأسمالي انما هو اعتداء صارخ على شعب فلسطين والامة العربية والامة الاسلامية. كانت شعارات الفكر القومي تركز على الوحدة والحرية والاشتراكية. وتؤكد على ان الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين. وكان الفكر الديني يرى ان العودة الى الله والشريعة الاسلامية والوحدة الاسلامية هي ضرورة ربانية لتحرير فلسطين. اما الماركسيون فقد تمترس بعضهم خلف الصراع الطبقي وامكانية تحالف العمال العرب واليهود ضد المستغلين الاستعماريين والصهاينة والرجعيين العرب. في حين ادرك البعض الآخر عمق الصله.
لقد مر الفكر الفتحاوي في مراحل تميزت كل منها بخصوصية. والرجعيين العرب ولكن جذور الحقيقة والمنطلقات ظلت ثابتة وستبقى. ولفهم طبيعة تطور الفكر الفتحوي لابد لنا من تناوله بالتفصيل من خلال مكوناته الاساسية وهي الفكر السياسي ثم الفكر التنظيمي ثم الفكر العسكري.
وسنحاول في هذه الدراسة التركيز على الفكر السياسي الفتحاوي وتطوره عبر المسيرة النضالية حتى الواقع الراهن.
تطور الفكر السياسي الفتحاوي
حيث ان حركة فتح لم تطرح منذ البداية فكراً عقائدياً وايديولوجية ناتجة عن تكوين نسق فكري عام وشامل يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد، وما وراء الطبيعة من ترابط في الافكار السياسية والاخلاقية والفلسفية، فقد حددت فتح مرحلة نضالها بأنها مرحلة التحرر الوطني. وان فكرها يتركز على متطلبات هذه المرحلة لتحقيق اهدافها في الحرية والاستقلال الوطني. وحيث ان هذه الاهداف العامة تشكل تياراً عريضاً فان متابعة تطور الفكر السياسي الفتحوي في دراستنا سيتركز على الوثائق الحركية الرسمية المعتمدة من الهيئات الرسمية وبياناتها وليس على الافكار الخاصة بالافراد التي تعبر عن اجتهادات وتعارضات مقبولة في اطار التيار الوطني العريض.
لابد لدراسة التطور ان نبدأ من نقطة الانطلاق الفكري. من نقطة التأسيس الحركي ومن ثم متابعة هذه العملية الفكرية وتجسدها تنظيمياً في المراحل الثقافية. وهو ما يتطلب دراسة التغييرالنظري الذي يحدث اثر ذلك على الممارسة العملية وتطورها الامر الذي يحدد نتائج الممارسة العملية واثرها على التطور النظري في المراحل التالية.
تنص المادة العاشرة، الباب الاول من النظام الاساسي لحركة فتح تحت عنوان المبادئ الاساسية للحركة على ان (حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) هي حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني) والنظام الاساسي للحركة هو اكثر الوثائق الحركية تعبيراً عن جماعية الخط السياسي والتنظيمي للحركة . فالنظام الاساسي يقره المؤتمر العام للحركة .. وتنبع اهميته من كونه تطبيقاً للمنطلقات النضالية التي تقوم عليها الحركة. وهو تعبير عن نظرتها لطبيعة العلاقات التي تقوم بين الحركة وبين مختلف القوى والتنظيمات . كما انه يرسم الاطار التنظيمي الذي يحدد علاقة الاعضاء بعضهم ببعض بما يحفظ خط الحركة ومستقبل الثورة .
وبالعودة الى نقطة البداية حيث الوثيقة الرسمية الاولى التي اصدرتها حركة فتح عام 1957 تحت عنوان (بيان حركتنا) فاننا ندخل الى عالم الحركة الداخلي ونستطلع فكرها في مرحلة التأسيس الذي كانت له جذوره العميقة في التاريخ الفلسطيني والعربي والاسلامي .. وله واقع راهن استمده من حالة الضياع والتشرد للشعب الفلسطيني . وما نتج عنه من تهميش وطمس للشخصية الوطنية الفلسطينية منذ النكبة عام 1948 . وله مستقبل يتطلع الى تحقيقه عبر الثورة .
ان ابرز ما يمكن توثيقه كنقطة بداية لتطور الفكر السياسي الفتحوي ينطلق من نصوص بيان حركتنا. ففي الفقرة الاولى تحت عنوان نبذة تاريخية، حدد البيان ساحة الصراع واطراف الصراع واهدافه حيث نص البيان على مايلي :
لقد تعرضت فلسطين لابشع انواع المؤامرات على الصعيدين العربي والعالمي، وكانت المؤامرات تتجه دائماً نحو هدف محدد واحد ، هو اغتصاب فلسطين المقدسة واعطائها لقمة سائغة لليهود والصهاينة بعد شل ايدي عرب فلسطين من الدفاع عن حقوقهم . ولقد وقعت الكارثة والشعب العربي في كل مكان يعيش تحت ظروف قاسية من تسلط الحكام والمستعمرين، وكانت الحكومات العربية اداة طيعة في ايدي الاستعمار والصهيونية . وقعت الكارثة في غفلة من الامة العربية ولم يكن ابناء فلسطين غافلين عن قضيتهم مطلقاً . كانوا متيقظين ، فقد صارعوا الانتداب البريطاني والصهيونية العالمية وصمدوا لثلاثين عاماً. وقفوا وحيدين في المعركة وذاقوا خلالها كل الوان الاضطهاد الاستعماري وقدموا الالاف من الشهداء الابطال والضحايا الابرياء بثوراتهم العديدة وايام كفاحهم الطويل. وحينما انتزعت الدول العربية زمام المبادرة من الشعب الفلسطيني بامر من المستعمرين فتحوا النافذة للاستعمار والصهيونية فحولوا فلسطين الى قطيع من اللاجئين البائسين . وبعدها منعت الدول العربية جميعها بامر من الاستعمار والصهيونية ايضا شعب فلسطين العربي من التجمع والتكتل للاستعداد لاستعادة وطنهم . وكقناع وضعت هذه الدول فئات تافهة متنافرة تنافر هؤلاء الحكام، تتحدث باسم شعب فلسطين كما يريد الحكام المأجورون والانتهازيون او ما يطلب المستعمرون منهم ان يقولوا . لقد تشتت شعب فلسطين على ايدي اليهود وبعض الحكام العرب . واستمر هذا التشرد رغم تغيرات جوهرية حدثت في البلاد العربية، وزيادة على هذا الضياع لشعبنا فقد عملت دوائر الصهيونية والاستعمار ومن يدور في فلكها على تلطيخ ماضي شعب فلسطين الوطني باتهامات بيع الاراضي والخيانة وغيرها. (1)
مما تقدم نلمس بايجاز واضح كيف حددت حركة فتح اطراف الصراع بحيث يشكل جبهتين . الاولى جبهة الشعب الفلسطيني والامة العربية . والثانية جبهة الاعداء وتضم الاستعمار البريطاني واليهود والصهيونية العالمية والحكومات العربية (بعض الحكام العرب) التي كانت اداة طيعة في ايدي الاستعمار والصهيونية.
اما ساحة الصراع الرئيسية فهي فلسطين.
اما هدف جبهة الاعداء فهو اغتصاب فلسطين المقدسة واعطائها لقمة سائغة لليهود والصهاينة بعد شل ايدي عرب فلسطين.
اما هدف الشعب الفلسطيني. فهو الدفاع عن حقوقه وامانيه
(التي وضعها نصب عينيه وناضل لتحقيقها مصمماً على ان تكون فلسطين ارضاً عربية ليس للصهيونية فيها مكان). (2) وهذا يؤكد على ان الصراع ذو طبيعة عدائية وحدية بما يحتم انبثاق الثورة:
ولما كان الشعب الفلسطيني مكبلاً بالحديد والنار في كل مكان ولما كانت التكتلات الموجودة بين صفوف الشعب الفلسطيني لم تفد القضية فانه لابد من ان تنطلق من آمال وآلام الشعب العربي الفلسطيني حركة فاعلة تلم الشعب وتهيئ الفلسطيني معنوياً وثورياً لاسترداد وطنه المغتصب واستئصال الكيان الصهيوني من بلادنا.
وان التهيئة للثورة لتحرير ديارنا السليبة تعيد الطمأنينة الى النفوس المنكوبة وتهدئ من حدة الالام التي يرزح شعبنا تحت وطأتها فتمتلئ نفوس شعبنا بالثقة بقدرته على تحرير وطنه من الغزاه الصهاينة. لقد فشل جميع من عالجوا قضيتنا لاننا كنا مبعدين عنها. لذا فان شعبنا الان في امس الحاجة الى طليعة تنظمه في حركة منظمة تقوده للثورة التي يراها السبيل القويم لمعالجة قضيتة وازالة النكبة). (3) وجاء في البيان تحت عنوان حركتنا مايلي:
حركتنا - حركة وطنية ثورية منبثقة من صميم ارادة الشعب الفلسطيني ووجدانه، حركتنا- حركة تدعو الشعب الفلسطيني الى الوحدة الوطنية الفلسطينية. حركتنا حركة تهدف لخلق الشخصيةالعربية الفلسطينية في الوجود العربي والدولي. حركتنا حركة تسعى لتعبئة الشعب الفلسطيني ليقود ثورة تحرير فلسطين من الصهيونية والاستعمار. حركتنا بعيدة عن الاقليمية وتؤمن بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير). (4)
واضافة الى هدف الشعب الفلسطيني والامة العربية فان حركة فتح التي تعتبر نفسها طليعة الشعب الفلسطيني قد حددت في ختام بيانها اهداف الحركة كمايلي:
(ان هدف حركتنا الاساسي هو انقاذ وطننا السليب وتحريره من الغزاة. ومن هذا الهدف تنبثق الاهداف الاخرى المتطلعة الى بعث الحرية والكرامة الوطنية لشعبنا والرامية الى تعبئة شعبنا مادياً ومعنوياً واعداده ثورياً وعسكرياً ليهيء لانطلاق الثورة المسلحة في الجزء المغتصب من وطننا كحل جذري لنسف هذا الاغتصاب.
"والحركة تؤمن بضرورة الحياد في طريقها فلن تنحاز لاي جهة ضد الاخرى. ولكنها ستكون بالمرصاد لاي جهة تضر بمصالح القضية الفلسطينية.
وهي ستقبل العون غير المشروط من المصادر النظيفة وستمضي في طريقها مستنيرة بآراء المخلصين في دنيا العرب غير تابعة.. ولا خاضعة او موجهة، مدعومة يقوة الشعب العربي في كل مكــــــان.
ان اول ما يلفت النظر ذلك التطابق والثبات الذي عرفت فيه الحركة نفسها في بيان حركتنا عام 1957 وفي النظام الاساسي الذي لا يزال ساري المفعول عام 1998 بأنها (حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني).