لملمت جراحي و نفضت عني غبار الأيام العالق على كتفي ... و بدأت أفكر في العودة إلى ذلك المكان الذي كان فيه النور و الحياة .. البساطة و الجمال.
أريد أن أرى وجه أمي الذي بقي كما هو ... رغم السنين و أن أحظى بلمسات يدها الحنونة و هي تداعب ضفائري المخضبة بالحناء... لازلت أذكر كم كانت تعتني بشعري ... و كيف كانت تختار له أجود زيت من أشجار زيتون بلادي.
أمي لازالت هناك تنتظر ... لأنها لازلت تملك الإصرار و الصبر... و هي التي تمنحني جرعات منه ... أتعبتني الغربة و أتعبتني الأيام ... حروب و بكاء... آهات في كل وقت دون إنقطاع في النهار و المساء.
سكون الليل الذي أصبح يرعبني و يخيفني أصوات الإطلاقا ت النارية القادمة من كل مكان.. أحاول أن أضع الوسادة على أذني لكي لا أسمعها.. أحاول أن أتظاهر بالشجاعة .
أمنية أتمنى أن تتحقق قبل أن أفارق هذا العالم المجنون بالقتل و الدمار... أن يختفي السلاح من على وجه الأرض..
عجبت لذلك البلبل الذي لا ينقطع عن الغناء رغم الطائرات المزعجة و أصواتها المدوية في السماء... كم تمنيت أن أكون مكانه.. أن أتعلم كيف أتجاهل كل ما يحدث.
لا أستطيع ... جربت الضحك و كانت دمعتي تخونني و تفضحني... لا يمكن أن أكون عديمة الإحساس... و أنا أرى مناظر القتل و دموع النساء و صرخات في كل مكان.
لماذا كل هذا؟
و لأجل ماذا؟
ألا يمكن أن نتعلم العيش بسلام؟؟؟
ألا يمكن أن نتحاور دون اقتتال؟!
لم يعد للإنسان قيمة و لم يعد للحياة طعم... فوضى ... في كل شيء حتى في الحواس... رغم قدوم الربيع لا أحد يهتم بهذا الجمال الرباني .. وكأن حواسنا تعطلت عن تلقي أي شيء.
نأكل من أجل أن نسد الرمق فقط.. لا نستطعم بألوان الطعام...ننظر إلى العالم من حولنا و نحن نتساؤل ...
هل كتب علينا أن نتحمل كل هذا؟
من المسؤول عن ترويعنا ؟!
لماذا لا يفكر في آلامنا و جراحنا ذلك الذي يجلس في برجه العاجي؟!أرم من في الأرض
أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء!!!!